للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منديلا متى اتسخت وتكدرت طرحت على النار فاحترقت اوساخها وأخرجت سالمة نظيفة منها مشهور معروف لا شك في وقوعها واعجب من ذلك ابتلاع النعامة الجمر والجذوة والحديد المحماة المحمرة بالنار ولا تضرها أصلا وَمن قساوة قلوب أولئك الغواة وغلظ حجبهم نُخَوِّفُهُمْ بأنواع المخاوف الدنيوية والاخروية فَما يَزِيدُهُمْ تلك التخويفات الهائلة إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً متجاوزا عن الحد غاية التجاوز لشدة عمههم وعتوهم

وَليس طغيانهم وإصرارهم عليه الا بتسويلات الشياطين وتغريراتهم بمقتضى العداوة القديمة والخصومة المستمرة بين الشيطان وبنى آدم اذكر وقت إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ بأجمعهم بعد ما جاءوا بما جاءوا من الحجج والدلائل الدالة على عدم لياقة آدم بالخلافة والنيابة الى ان أفحموا والزموا اسْجُدُوا لِآدَمَ وتذللوا عنده ولا تجادلوا في حقه انا قد اخترناه لخلافتنا ونيابتنا فَسَجَدُوا سجود تواضع وتكريم امتثالا للأمر الوجوبي بعد ما تمادوا في إيراد الحجج والمناقضات استحياء منه سبحانه ورهبة من سطوة قهره بالإعراض عن امره وما خالف امر الله منهم إِلَّا إِبْلِيسَ فانه أصر على الإنكار ولم يرغب بامتثال المأمور بل قد زاد على الجدال والنزاع حيث قالَ مستبعدا مستنكرا أَأَسْجُدُ وأتذلل مع نجابة أصلي وشرف عنصري لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً اى لمن انشأته وصورته من طين منتن مذموم مرذول لا شرف له ولا نجابة وبالجملة ما هي الا تفضيل المفضول وتكريم المهان المرذول ثم لما طرده الحق عن ساحة عز الحضور وأخرجه من بين الملائكة ولعنه لعنة مؤبدة الى ان ايس عن القبول مطلقا

قالَ إبليس معترضا على الله مسيأ الأدب معه سبحانه مستفهما على سبيل الاستبعاد والاستنكار أَرَأَيْتَكَ اى أخبرني يا مولاي عن وجه كرامة هذَا القالب المستحقر المسترذل الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ وأمرتني بسجوده وطردتني لأجله طردا مخلدا بناء على انه يعبدك ويعرفك ويوحدك حق توحيدك ويقدسك حق تقديسك وتنزيهك وبالجملة هو يتفطن على حق قدرك وقدر حقيتك والله بحق عظمتك وجلالك لَئِنْ أَخَّرْتَنِ وأبقيتني فيما بينهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال وعرضها على جنابك لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ ولأضلنهم ولأغوينهم بأنواع الإغواء والإغراء بحيث امحون أسماءهم عن دفتر المؤمنين فكيف عن زمرة العارفين المكاشفين المشاهدين لان تركيبهم وبنيتهم هذه تقتضي انواع الفسادات واصناف العصيان والضلالات ولى فيهم مداخل كثيرة اوسوسهم واغريهم الى حيث أضلهم واغويهم عن منهج الرشد ومسلك السداد إِلَّا قَلِيلًا منهم فإنهم قد ثبتوا على ما جبلوا له بلا قدرة منى على اغوائهم لكونهم مؤيدين من عندك موفقين من لدنك

ثم لما سمع سبحانه منه ما سمع قالَ سبحانه ساخطا عليه مغاضبا طاردا له أشد طرد وتبعيد اذْهَبْ يا ملعون فقد امهلناك فيما بينهم الى قيام الساعة فلك ان تفعل بهم ما تفعل فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ بعد ما قد جبلناهم على فطرة التوحيد والمعرفة ومع ذلك قد أرسلنا عليهم الرسل المنبهين المرشدين لهم طريق الهداية والرشد وأنزلنا عليهم من لدنا الكتب المبينة لهم احوال المبدأ والمعاد ومع ذلك يتركون متابعة الكتب والرسل ويتبعون لك ويقتفون اثرك فهم حينئذ خارجون عن زمرة عبادنا الصالحين لاحقون بك مستحقون بما استحققت به أنت وأعوانك من الجزاء فَإِنَّ جَهَنَّمَ الطرد والحرمان وانواع المذلة والخذلان حينئذ جَزاؤُكُمْ تابعا ومتبوعا ضالا ومضلا جَزاءً مَوْفُوراً مستوفى وافرا وافيا لا مزيد عليه مؤبدا مخلدا لا نجاة لكم منها

وَبعد ما قد سمعت

<<  <  ج: ص:  >  >>