للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جاء به رسولكم من عند ربكم لتكونوا هادين مهتدين اليه سبحانه على الصراط المستقيم وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ اى قبلتك يا أكمل الرسل الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها قبل هجرتك منها إِلَّا لِنَعْلَمَ اى نميز ونفصل مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ الهادي الى توحيد الذات مِمَّنْ يَنْقَلِبُ اى يعود ويرجع عَلى عَقِبَيْهِ اى توحيد الصفات والأفعال قبل الوصول الى توحيد الذات وَإِنْ كانَتْ الوصلة الى الوحدة الذاتية لَكَبِيرَةً ثقيلة شاقة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ الى وحدة ذاته حيث وفقهم الى الايمان والإطاعة بمن يرشدهم ويهديهم اليه وَما كانَ اللَّهُ الحكيم المظهر لأشباحكم لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ بعد ما وفقكم اليه إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ الذين يؤمنون على وجه الإخلاص بالرسول الهادي لهم الى توحيد الذات ويصدقون بجميع ما جاء به من عنده لَرَؤُفٌ عطوف رَحِيمٌ مشفق يوصلهم الى غاية ما يظهر هم لأجله بفضله وطوله ثم لما انكشف له صلّى الله عليه وسلم توحيد الذات حقيقة ومعنى واستغرق فيها وتوجه نحوها منخلعا عن مقتضيات الأفعال والصفات مجردا عن لوازم الهويات مطلقا انتظر صلّى الله عليه وسلّم الوحى والإلهام المطابق لهذا الانكشاف بحسب الصورة ايضا

فقال سبحانه قَدْ نَرى نطلع ونعلم حين انكشافك بوحدة ذاتنا تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ اى نحو عالم الأسماء والصفات التي هي منبع الوحى والإلهامات منتظرا للوحى المتضمن للتوجه الصوري فَلَنُوَلِّيَنَّكَ بعد انكشافك المعنوي قِبْلَةً صورية تَرْضاها أنت بها لكونها مناسبة لقبلتك المعنوية مشيرة إليها فَوَلِّ يا أكمل الرسل بعد ما عينا لك قبلة معينة وَجْهِكَ الذي به مواجهتك صورة شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى جهة المسجد الذي يحرم فيه التوجه الى غير الذات البحت الخالص عن عموم الإضافات والاعتبارات مطلقا وَلا تختص هذه الكرامة لك بل تسرى منك الى جميع من تبعك من المؤمنين حَيْثُ ما كُنْتُمْ أنت وهم من مراتب الوجود ومقامات الشهود وبعد ما سمعتم ما سمعتم من الكرامة الإلهية لكم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ الفائضة لكم ايها المؤمنون المخلصون من ربكم شَطْرَهُ لتكونوا من زمرة المهتدين المنكشفين بوحدة ذاته سبحانه وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من اليهود والنصارى لَيَعْلَمُونَ يقينا بشهادة كتبهم ورسلهم أَنَّهُ اى شأن انكشافك وتحققك يا أكمل الرسل بالتوحيد الذاتي الْحَقُّ الثابت المنزل مِنْ رَبِّهِمْ الذي رباهم بإعطاء العقل المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل ومع ذلك ينكرون لك ولدينك وكتابك عنادا ومكابرة وَمَا اللَّهُ المطلع على عموم ما جرى في صدور عباده بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ من الإخفاء والستر سيما بعد الوضوح والكشف

وَالله لَئِنْ أَتَيْتَ أنت يا أكمل الرسل الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ نازلة لك دالة على توحيد الذات الذي هو مقصدك الأقصى ومطلبك الأعلى ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لشدة انهماكهم في الغفلة والضلال وَما أَنْتَ ايضا بعد ما انكشف لك الأمر يقينا بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ التي توجهوا إليها ظنا وتخمينا وَايضا ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لتفاوت ظنونهم وآرائهم وَالله لَئِنِ اتَّبَعْتَ أنت يا أكمل الرسل أَهْواءَهُمْ الباطلة مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ اليقيني المطابق لليقين العيني بل للحقى إِنَّكَ مع اصطفائنا إياك واجتبائنا لك إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ المعرضين عنا بعد ما وفقناك وأرشدناك الى الكعبة الحقيقية وهذا تهديد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد تمهيد وحث له صلّى الله عليه وسلّم لدوام التوجه على ما انكشف له من توحيد الذات وتحريض للمؤمنين على متابعته صلّى الله عليه وسلّم في دوام التوجه والميل اليه ومثله

<<  <  ج: ص:  >  >>