للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن يعمل على مقتضى التكاليف الإلهية كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ قرنا بعد قرن بطنا بعد بطن مع انه يترحم عليكم ويبقيكم تفضلا وامتنانا قل لهم يا أكمل الرسل

إِنَّ ما تُوعَدُونَ ايها المكلفون من الحشر والنشر والجزاء لَآتٍ كائن ثابت لا محالة وبالجملة اعملوا على مقتضى التكليف الإلهي وَاعلموا انكم ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ عاجزين عن الإتيان بالمأمور حتى لا تؤاخذوا بترك التكاليف ولا تعذبوا به إذ لا تكلف نفس الا وسعها وبما في طاقتها وقدرتها

قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل الترحم والتحنن وإرخاء العنان مبالغة في طريق التعريض يا قَوْمِ اعْمَلُوا من المعاصي عَلى مَكانَتِكُمْ ومقدار مكنتكم وطاقتكم إِنِّي عامِلٌ ايضا من الصالحات المأمورة بمقتضى مكنتى وطاقتي فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أنتم ونحن حين ينكشف الحجب ويرتفع الغشاء مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ اى العاقبة الحسنى والمثوبة العليا التي تترتب على أعمالنا في دار الجزاء يعنى أينا يفوز بها انا او أنتم غاية ما في الباب إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الخارجون عن حدود الله بمقتضى اهويتهم الفاسدة ولا يفوزون بسعادة وخير أصلا

وَمن جملة ما خرجوا عن مقتضى الحدود الإلهية بمتابعة اهويتهم الباطلة انهم قد جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ وبرأ وظهر مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا المعين المفروز لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا اى آلهتنا وشفعائنا فَما كانَ من أموالهم يفرز لِشُرَكائِهِمْ ان كان جيدا طيبا فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ولا يتجاوز عن شركائهم أصلا وَما كانَ لِلَّهِ ان كان جيدا فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ بأن استبدلوها بالرديء الذي كان لشركائهم وبالجملة ساءَ ما يَحْكُمُونَ هؤلاء الجاهلون إذ فعلهم واختيارهم هذا انما هو تفضيل المسترذل المفضول على الأجل الأفضل روى انهم كانوا يعينون شيأ من حرثهم ونتاجهم لله ويصرفونه الى الضيفان والمساكين وشيأ منهما لآلهتهم وينفقونه الى سدنة آلهتهم وخدامهم ويذبحون عندها ثم ان رأوا ما عينوا لله ازكى بدلوه بما لآلهتهم من الرديء وان رأوا ما لآلهتهم ازكى تركوه لها حبا لآلهتهم وترجيحا لجانبهم على جانب الله هذا مما اخترعوه من تلقاء أنفسهم وان افتروا الى كتبهم تغريرا وترويجا

وَكَذلِكَ اى مثل قسمتهم في القربات والصدقات قد زَيَّنَ اى حبب وحسن لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ اى آلهتهم الذين هم يعبدونهم من دون الله من الشياطين وما ذلك التزيين والتحسين الا لِيُرْدُوهُمْ اى يهلكوهم ويضلوهم بالإضلال والإغواء عن طريق الحق وَلِيَلْبِسُوا وليخلطوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ الذي وجب عليهم الانقياد والإطاعة ليصلوا الى طريق التوحيد وَبالجملة لَوْ شاءَ اللَّهُ الهادي لعباده هدايتهم ما فَعَلُوهُ اى ما قبلوا تزيينهم وتلبيسهم فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ اى اتركهم مع افترائهم الى ان نأخذهم وننتقم عنهم

وَايضا من جملة ما اخترعوا من تلقاء أنفسهم ونسبوها الى الله والى كتابه ترويجا وتغريرا انهم قالُوا هذِهِ المعينة المفروزة أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ حرام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ إطعامه يعنون سدنة الأوثان وخدمتها من الرجال دون النساء فإنها تحل عليهم وتحرم على غيرهم وما هي ايضا الا بِزَعْمِهِمْ الفاسد ورأيهم الكاسد بلا حجة عقلية او نقلية وَايضا قالوا هذه أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وأرادوا البحائر والسوائب والحوامي على ما سبق في سورة المائدة وَقالوا ايضا هذه أَنْعامٌ معدة للتجارة او الحمل والظعن لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا يعنى لا يركبونها للحج كل ذلك من مخترعاتهم التي قد اخترعوها من اهويتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة ويفترون افْتِراءً عَلَيْهِ سبحانه ومراء بلا سند لهم نازل

<<  <  ج: ص:  >  >>