للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد تصديقه إيانا نَمِيرُ ونحمل العطايا العظام من عنده أَهْلَنا ولأجلهم وَنَحْفَظُ في الذهاب والإياب أَخانا وَنَزْدادُ بسببه كَيْلَ بَعِيرٍ وحمله إذ من سنة العزيز ان يحمل لكل منا بعيرا ذلِكَ الكيل الذي قد جئنا به كَيْلٌ يَسِيرٌ نزر قليل لا يفي لمعاشنا الى وقت الخصب ما لم نزده ثم لما بالغوا في سؤالهم واقترحوا الاسعاف بما طلبوا

قالَ لهم أبوهم معاتبا عليهم لَنْ أُرْسِلَهُ اى بنيامين مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ اى يمينا وقسما عظيما أثق به واعتمد عليه لَتَأْتُنَّنِي بِهِ البتة بلا خلاف إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ نوع من البلاء من إلمام العدو وغيره فَلَمَّا اضطروا الى ما طلبه أبوهم منهم آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ فرضي أبوهم بإرسال أخيهم معهم ضرورة قالَ أبوهم تأكيدا لهم وتغليظا وتفويضا لأمره الى ربه اللَّهِ المطلع لعموم احوال عباده عَلى ما نَقُولُ ويجرى بيننا وَكِيلٌ رقيب كفيل حفيظ يفعل بنا بمقتضى علمه وخبرته ما فعل ثم لما رضى يعقوب عليه السّلام بإرسال ابنه بنيامين معهم فشدوا الرحال وأرادوا ان يخرجوا وصى يعقوب عليه السّلام لبنيه ان يتفرقوا عند الدخول الى مصر ولا يدخلوها كوكبة واحدة خوفا منهم ان يعانوا إذ هم ذو جمال وبهاء كان الناس يتعجبون منهم حيث انصرفوا مجتمعين

قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا على البلدة مِنْ بابٍ واحِدٍ مجتمعين بل وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ فرادى فرادى حتى لا يلحقكم ضرر العيون اللامة وَاعلموا انى ما أُغْنِي وادفع بقولي لكم هذا عَنْكُمْ مِنَ قضاء اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ بل إِنِ الْحُكْمُ وما الأمر والشان إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ لا على غيره من العكوس والاظلال تَوَكَّلْتُ في كل الأمور والأحوال وَعَلَيْهِ سبحانه في عموم الخطوب والملمات فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ إذ لا رجوع للكل الا اليه

وَبالجملة لَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وعلى الوجه الذي أوصاهم متفرقين من أبواب متعددة مع انه ما كانَ يُغْنِي ويدفع عَنْهُمْ تدبير أبيهم مِنْ قضاء اللَّهِ المقدر لهم في حضرة علمه ولوح قضائه إذ لا معقب لحكمه ولا مرد لقضائه مِنْ شَيْءٍ قليل إِلَّا حاجَةً يعنى سوى انه قد كانت حاجة اى هذه الوصية تختلج فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها واوصى بها لابنائه تفألا وتفريجا وَإِنَّهُ اى يعقوب عليه السّلام في نفسه لَذُو عِلْمٍ كامل ومعرفة تامة فائضة له من لدنا متعلقة بما لا مرد لقضائنا ولا مبدل لقولنا ولا معقب لحكمنا لذلك قال وما اغنى عنكم من الله من شيء وذلك لِما عَلَّمْناهُ بطريق الوحى والإلهام إياه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المجبولين على الجهل والنسيان لا يَعْلَمُونَ ان قضاءنا لا يرد وان الحذر لا يغنى عن القدر وان الكائن مقدر وان المقدر لا يدفع بالحذر

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ مع بنيامين أضافهم واجلس كل اثنين منهم على سماط فبقى بنيامين وحيدا فبكى وتأوه متحسرا وقال لو كان أخي يوسف حيا لما بقيت وحيدا ولما رأى يوسف حينئذ بكائه آوى إِلَيْهِ أَخاهُ ورجع نحوه وضمه الى نفسه وأجلسه على سماطه ثم امر يوسف ان ينزلوا كل اثنين منهم بمنزل واحد فبقى بنيامين لا ثانى له فاغتم حينئذ أشد اغتمام فذهب به يوسف عليه السّلام الى منزله فقال له أتحب ان أكون انا أخاك بدل أخيك الهالك قال فمن يجد مثلك أخا ايها العزيز غير انك لم يلدك يعقوب ولا راحيل ثم لما تفرس يوسف منه ازدياد الحزن والكربة والكآبة وشدة التأسف والتغمم قالَ لا تحزن ولا تغتم يا أخي بنيامين إِنِّي بشخصى أَنَا أَخُوكَ يوسف ابن يعقوب وراحيل قد احتال على إخوتك وخادعونى بأنواع الحيل والخداع الى ان فرقوا بيني

<<  <  ج: ص:  >  >>