للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمه

وبالجملة هم الَّذِينَ قالُوا من نهاية نفاقهم وشقاقهم لِإِخْوانِهِمْ اى في حق إخوانهم الذين خرجوا مع المؤمنين وقتلوا وَهم قد قَعَدُوا في مساكنهم متخلفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لَوْ أَطاعُونا هؤلاء المقتولون في القعود والتخلف ما قُتِلُوا كما لم نقتل معتقدين ان القعود سبب السلامة والنجاة والخروج سبب القتل ولم يعلموا ان للموت أسبابا كثيرة وللحياة ايضا أسبابا لا يدركها ولا يحيط بها الا هو وكم من قاعد قد مات او قتل من حيث لا يحتسب وكم من خارج قد نجا وان اقتحم الوغا والعلم عند الله قُلْ لهم يا أكمل الرسل على سبيل التبكيت والإلزام ان قدرتم على الدفع فَادْرَؤُا وادفعوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ المقدر لكم من عند الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ايها المدعون الكاذبون وبعد ما بين سبحانه جرائم المؤمنين يوم احد وزلتهم ومتابعتهم للمنافقين في التخلف عن رسول الله والميل الى الغنيمة وترك المركز مع كونهم مأمورين على خلافها أراد ان ينبه عليهم سرائر الغزو والشهادة فيه وبذل المهج في سبيله فقال مخاطبا لرسوله على طريق الكف والنهى لنبيه ومن يقتدى له من المؤمنين لان أمثال هذه الخطابات والتنبيهات انما تليق لمن وصل الى ذروة مسالك التوحيد

وتحقق بنهاية مراتب التجريد والتفريد بقوله وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ باذلين مهجهم في طريق الفناء ليفوزوا بشرف البقاء أَمْواتاً معطلين عن الحس والحركة كالأموات الاخر بَلْ هم أَحْياءٌ ذووا أوصاف واسماء ازلية وابدية مقربين بها عِنْدَ رَبِّهِمْ الجامع لجميع الأوصاف والأسماء يُرْزَقُونَ بمقتضاها من عنده

فَرِحِينَ مسرورين بِما آتاهُمُ اللَّهُ عن موائد المعرفة والإحسان بسببها مِنْ فَضْلِهِ خالدين فيها ابدا وَمع تلك اللذة الكاملة والفرح المفرط يَسْتَبْشِرُونَ ويطلبون البشارة والشفاعة من لدنه سبحانه بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ من إخوانهم الذين بقوا مِنْ خَلْفِهِمْ في دار الدنيا التي هي منزل الخطر والعناء ومحل الخوف والفناء قائلين لهم منادين عليهم منبهين أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ لو يلحقوا بنا وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لو خلصوا عن الدنيا ولوازمها

بل يَسْتَبْشِرُونَ دائما لأنفسهم ولإخوانهم بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ جزاء لما جاهدوا في سبيله وَفَضْلٍ عطاء منه سبحانه امتنانا عليهم من لطفه وَاعلموا ايها العاملون لرضا الله المجاهدون في سبيله أَنَّ اللَّهَ المجازى لعموم عباده لا يُضِيعُ سبحانه بمقتضى كرمه وجوده أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ المجتهدين الذين بذلوا جهدهم في محبة الله ومحبة رسوله

سيما الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ راجين الاجابة والقبول منهما حين دعاهم الله ورسوله الى المقاتلة مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ من العدو بلا مماطلة وتسويف بل رغبتهم على الكر أشد من المرة الاولى وذلك ان أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من المدينة فبلغوا روحاء ندموا وقصدوا الرجوع ليستأصلوهم فبلغ الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنصب أصحابه للخروج في طلبهم فقال لا يخرجن معنا اليوم الا من كان معنا أمس فخرج صلى الله عليه وسلّم مع جماعة من المؤمنين حتى بلغوا حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وكان بأصحابه الفرح والسرور متلهفين متحسرين للشهادة متشوقين الى مرتبة إخوانهم الذين استشهدوا في سبيل الله فمر بهم معبد الخزاعي وكان يومئذ مشركا فقال يا محمد لقد عز علينا ما اصابك وأصحابك ثم خرج من بينهم فلقى أبا سفيان بالروحاء فقال له ابو سفيان ما ورائك يا معبد قال محمد قد خرج مع أصحابه يطلبونكم على تهور لم أر مثلهم أحدا يتحرقون عليكم تحرقا بحيث

<<  <  ج: ص:  >  >>