للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُمْ في أنفسهم ظالِمُونَ خارجون عن مقتضيات الحدود الإلهية منهمكون في بحر الغفلة والغرور ضالون في تيه الجهل والطغيان لذلك قد أخذهم الله بالطوفان واستأصلهم بالمرة بحيث لم يبق منهم احد على وجه الأرض وبعد ما أغرقناهم وأهلكناهم

فَأَنْجَيْناهُ يعنى نبينا نوحا عليه السلام وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وهم المؤمنون الذين قد ركبوا معه عليها حين نبع الماء من التنور قيل كانوا ثمانين او سبعين وقيل عشرة نصفهم ذكور ونصفهم إناث وَبالجملة قد جَعَلْناها اى قصة إهلاكهم وهلاكهم بالطوفان آيَةً عظيمة لِلْعالَمِينَ تستدلون بها على كمال قدرتنا ووفور حكمتنا في انتقام من خرج من مقتضيات حدودنا وأحكامنا وأوامرنا ونواهينا

وَلقد أرسلنا ايضا يا أكمل الرسل جدك الأعلى إِبْراهِيمَ الخليل صلوات الرحمن عليه وسلامه الى قومه الذين تمادوا زمانا في الغفلة والغرور ليصلح مفاسدهم ويرشدهم الى توحيدنا اذكر وقت إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ بعد ما قد بعثناه إليهم ليهديهم الى طريق الحق اعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق للعبادة والإطاعة استحقاقا ذاتيا ووصفيا وَاتَّقُوهُ حق تقاته عن ارتكاب محارمه ومنهياته واجتنبوا عن عموم ما لا يرضى به سبحانه حتى لا تستجلبوا سخطه وغضبه عليكم ذلِكُمْ الذي اوصيكم به من العبادة والعرفان والاجتناب عن المحارم والطغيان والاتصاف بالتوحيد والتقوى وجميع لوازم الايمان خَيْرٌ لَكُمْ واولى بحالكم وانفع لنفوسكم في اولاكم وأخراكم مما أنتم عليه من عبادة التماثيل التي تنحتونها أنتم بأيديكم وتسمونها من تلقاء انفسكم آلهة دون الله ظلما وزورا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اى ان كنتم من ذوى العقول المستكملين بالقوة النظرية المفاضة لكم من حضرة العلم الإلهي ليميزكم بها عن سائر الحيوانات ويعدكم بسببها للخلافة والنيابة عن الله. ثم نبه سبحانه على خطأهم في عبادة غير الله فقال

إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ المستحق للعبادة بالاستقلال بلا شريك ومثال أَوْثاناً وتسمونهم آلهة ظلما وعدوانا وتعبدونهم مثل عبادة الله عنادا وطغيانا وَتَخْلُقُونَ اى تفترون وتنسبون الى الله بإثبات الشريك له سيما هذه التماثيل الباطلة العاطلة إِفْكاً كذبا وافتراء مجادلة ومراء مع ان هؤلاء التماثيل الهلكى لا تنفعكم ولا تضركم ولا ترزقكم ولا تمنع رزقكم بل إِنَّ مطلق الالهة الباطلة الَّذِينَ تَعْبُدُونَ أنتم وأمثالكم مِنْ دُونِ اللَّهِ الحقيق بالاطاعة والعبادة مطلقا سواء كانوا هؤلاء الجمادات او ذوى الحس والحركات من الحيوانات لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً يعنى امر الرزق مقصور على الله المتكفل لأرزاق عباده وليس في وسع غيره ان يرزق أحدا من عباده رزقا صوريا او معنويا وانما خص سبحانه الرزق بالذكر مع انهم لا يملكون سواه ايضا إذ هو اظهر للوازمهم وأتم لشدة احتياجهم اليه وان أردتم رزقا جسمانيا او روحانيا فَابْتَغُوا واطلبوا عِنْدَ اللَّهِ القادر المقتدر الرِّزْقَ الصوري المقوم لمزاجكم وكذا المعنوي الموصل الى مبدأكم ومعادكم لتتزودوا برزقه في اولاكم وأخراكم وَإذا سمعتم وعلمتم ان لا رازق لكم سوى الله اعْبُدُوهُ حق عبادته واعرفوه حق معرفته وَاشْكُرُوا لَهُ أداء لحق شيء من حقوق نعمه ونبذ من موائد فضله وكرمه واعلموا انكم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ رجوع الظل الى ذي الظل والأمواج الى الماء

وَإِنْ تُكَذِّبُوا اى ان تكذبوني في قولي ولم تقبلوا منى رسالتي ولم تتعظوا بنصحي وإرشادي فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ أمثالكم رسلهم مثلي مِنْ قَبْلِكُمْ ومن قبلي فصار تكذيبهم وبالا عليهم وسبب هلاكهم وحلول العذاب عليهم وهم ما بالوا على تكذيبهم وَانا ايضا لا أبالي بتكذيبكم

<<  <  ج: ص:  >  >>