للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد ما سمع ابراهيم عليه السلام منهم ما سمع

قالَ مضطربا قلقا إِنَّ فِيها لُوطاً من خلص عباد الله قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ منك بِمَنْ فِيها بتعليم الله إيانا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ مما سيصيب قومه بأمر الله علينا بانجائه وإنجاء من معه من اهل بيته والمؤمنين له إِلَّا امْرَأَتَهُ قد كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الهالكين لنفاذ قضاء الله على هلاكها بينهم وفيهم إذ هي منهم ومن جملتهم وفي عدادهم وزمرتهم

وَبعد ما قد بشروا ابراهيم بما بشروا وأخبروا له ما أخبروا توجهوا نحو قرى قوم لوط عليه السلام اذكر يا أكمل الرسل لَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ يعنى قد فاجأته المساءة والسآمة والكرب المفرط والكآبة بقدومهم وَضاقَ لوط بِهِمْ وبقدومهم ذَرْعاً يعنى قد ضاق طاقته بقدومهم ونزولهم إذ قد اشتد وصعب عليه حفظهم عن اهل القرية وضاقت طاقته عن تدبير خلاصهم منهم إذ هم قد جاءوا على صورة صبيان صباح وملاح أمارد في غاية الحسن وكمال اللطافة والجمال فهم مشغوفون بطلب أمثالهم بل هم ما رأوا أمثالهم قط وَلما تفرس الرسل من لوط الخوف والحزن والضجرة المفرطة وانواع الغموم والهموم العارضة له من إلمامهم إياه هكذا قالُوا له تفريجا لهمه لا تَخَفْ يا لوط من إضرار هؤلاء الضلال الهلكى بنا وَلا تَحْزَنْ من لحوق العار عليك بسببنا فانا رسل الله قد أرسلنا الله لنصرك وتأييدك وإنزال العذاب على قومك ولا تحزن ايضا من تعذيبنا لك ولمن اتبعك إِنَّا باذن ربنا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ مما يصيبهم من العذاب والهلاك إِلَّا امْرَأَتَكَ قد كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الهالكين البتة هكذا ثبت في لوح القضاء وحضرة العلم المحيط الإلهي ثم فصلوا له العذاب وقالوا

إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ اى عذابا ذا رجز اى قلق واضطراب يقلقل المعذب به ويضطرب به اضطرابا شديدا حين نزوله وحلوله وما ذلك الا بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بفسقهم الذي قد باهوا به وافتخروا بسببه وقد تمادوا فيه مصرين مجاهرين

وَبعد ما انتقمنا منهم وأخذناهم بفسقهم لَقَدْ تَرَكْنا وأبقينا مِنْها اى من حكاياتهم وقصصهم آيَةً بَيِّنَةً وعبرة ظاهرة لائحة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يعنى يستعملون عقولهم في مواضع العبر ويتأملون فيها معتبرين مستبصرين بها فاعتبروا يا اولى الأبصار واعلموا ان الأبرار والأخيار انما يتميزون عن الأشرار بالاعتبار والاستبصار. بصرنا الله بعيوب أنفسنا وجعلنا من زمرة المعتبرين بعيوب الغير بمنه وجوده

وَمن مقتضيات حكمتنا ايضا قد أرسلنا إِلى مَدْيَنَ حين ظهر فيهم الخبط والخيانة في المكيلات والموزونات أَخاهُمْ شُعَيْباً ليصلح ما فيهم من المفاسد فَقالَ بعد ما بعثنا إليهم مناديا لهم ليقبلوه ويطيعوا امره يا قَوْمِ أضافهم الى نفسه لكمال العطف والشفقة وإمحاض النصح اعْبُدُوا اللَّهَ الواحد الأحد الحقيق بالعبادة والإطاعة وَارْجُوا من الله الْيَوْمَ الْآخِرَ اى ائتوا بالإيمان والإخلاص والأعمال الصالحة راجين من الله الثواب في يوم الجزاء وَعليكم ان لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ ولا تتحركوا عليها حال كونكم مُفْسِدِينَ لمصالح عباد الله وامور معاشهم ومعادهم وبعد ما قد سمعوا مقالته

فَكَذَّبُوهُ فاجئوا لتكذيبه بلا مبالاة بشأنه وبكلامه فاستحقوا المقت العظيم فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ والزلزلة الشديدة مع الصيحة الهائلة فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ التي بنوها للمعاش والحياة وصاروا فيها جميعا جاثِمِينَ مائتين هالكين باركين على ركبهم ساقطين على وجوههم

وَاذكر يا أكمل الرسل عاداً المبالغين في الظلم والعدوان وَثَمُودَ المتجاوزين عن مقتضيات الحدود الإلهية بالبغي والطغيان وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>