للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنازعات وبتغريره وتضليله يستتر الحق ويظهر الباطل وبالجملة هو الرقيب الحاجب الحافظ المحافظ لآدابه سبحانه والمعتكف ببابه حتى لا يكون شرعة لكل وارد او يتوجه اليه واحد بعد واحد غيرة منه على الله وحمية لحمى قدس ذاته وفضاء لاهوته ولهذا قد تمنى كثير من المحققين مرتبته ومن كمال غيرته على ربه الهاء بنى آدم واغرارهم بالمستلذات والمزخرفات التي مالت إليها نفوسهم بالطبع ليشغلهم ويلهيهم بها عن التوجه الى جنابه والعكوف حول بابه والسرفى طرده ولعنه وابعاده عن ساحة عز الحضور تحذيرهم من الانقياد له والاقتداء به على ابلغ وجه وآكده وتمرين لعداوته لهم ورقابته معهم في نفوسهم لئلا يغفلوا عنه ومع ذلك لم يتركوا متابعته ولم يجتنبوا من اقطاعه الملهية نعوذ بالله من شرور أنفسنا وبعد ما جعلنا آدم خليفة في الأرض أزلنا عنه قوادح القادحين وأمرنا جميع خصمائه بتعظيمه وسجوده وامتثلوا بالمأمور به جميعا الا إبليس من بينهم قد تركه للحكمة المذكورة آنفا ولئلا يتكبر آدم ويتجبر بسبب انقياد جميعهم كما تجبر كثير من ابنائه في الأرض بانقياد الشرذمة القليلة الى ان ادعوا الألوهية لأنفسهم

وَقُلْنا له على سبيل الشفقة والنصيحة يا آدَمُ المستخلف المختار لازم العبودية ولا تغتر بالخلافة وداوم على التوجه ولا تغفل عن المعاتبة واعلم ان العبودية انما تحصل بامتثال أوامرنا واجتناب نواهينا وبعد قبولك الامتثال والاجتناب اسْكُنْ أَنْتَ ايها الخليفة اصالة وَزَوْجُكَ تبعا لك الْجَنَّةَ التي هي دار السرور ومنزل الفراغ والحضور ومقام الانس مع الرب الغفور وبعد سكونكما فيها وَكُلا مِنْها اى من جميع محظوظاتها ومستلذاتها الروحانية والجسمانية رَغَداً واسعا كثيرا بلا مقدار وعدد حَيْثُ شِئْتُما بلا مزاحمة ضد ومنازعة احد وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ المخصوصة المعينة حتى لا تخرجا من ربقة العبودية وان تخرجا فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضى الحدود الإلهية بارتكاب المنهي عنه ثم لما استشعر إبليس بالتوصية والمعاهدة المذكورة المنبئة عن كمال العناية الإلهية بالنسبة الى آدم وبنيه بادر الى دفعها ونقضها فوسوس لهما بان القى في قلبهما الدغدغة في تخصيص هذه الشجرة المعينة المعنية بالنهى وبالغ في وسوستهما الى حيث انساهما الوصية الإلهية والمعاهدة المذكورة في العبودية

وبالجملة فَأَزَلَّهُمَا والجأهما الى ارتكاب الزلة بالوسوسة الشَّيْطانُ المضل المغوى فتناولا عَنْها اى عن الشجرة المنهية فَأَخْرَجَهُما الحق بسبب تلك التناول مِمَّا كانا فِيهِ اى من الحضور الذي كانا فيه في دار السرور وَبعد ظهور زلتهما قُلْنَا لهما ولناصحهما اهْبِطُوا من دار السرور الى دار الحزن والغرور ومن دار الكرامة الى دار الابتلاء والملامة وعيشوا فيها مع انواع النزاع والخصومة إذ فيها بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ينتهز الفرصة لمقته وَلَكُمْ بعد هبوطكم فِي الْأَرْضِ التي هي محل التفرقة وموطن الفتن والمحن مُسْتَقَرٌّ موضع قرار وَمَتاعٌ اى استمتاع بمزخرفاتها ومستلذاتها الغير القارة التي ألهاكم الشيطان بها عن النعيم الدائم إِلى حِينٍ اى الى قيام الساعة التي هي الطَّامَّةُ الْكُبْرى.

ثم لما لم يكن زلة آدم من نفسه وبمقتضى طبعه بل بتغرير عدوه وبمقتضى اغرائه ووسوسته اشفق سبحانه عليه وتلطف معه فَتَلَقَّى واستفاد آدَمُ المذنب العاصي مِنْ رَبِّهِ المستخلف له المستقبل عليه كَلِماتٍ مشتملات على الرجوع والانابة عما صدر عنه من الزلة وهي قوله بإلقاء الله إياه ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وبعد ما تلقى ما تلقى من الكلمات التامات واستغفر بها ورجع عن إتيان أمثال ما صدر فَتابَ الله عَلَيْهِ ترحما وقبل توبته تفضلا وكيف لا إِنَّهُ سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>