للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحابُ الْأَعْرافِ على سبيل التوبيخ والتقريع رِجالًا من صناديد اصحاب النار قد كانوا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ اى بوجوههم الباطلة العاطلة المبعدة عن الحق من المال والجاه والثروة والنخوة والرياسة وغيرها قالُوا لهم متهكمين متعرضين ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ اى ما أسقط جمعكم المال وجمعيتكم بسبب الجاه والثروة شيئا من عذاب الله وما دفع عنكم من نكاله وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ اى ما يفيدكم استكباركم على خلق الله وآياته اليوم انظروا ايها الحمقى الهالكون

أَهؤُلاءِ المترفهون المتنعمون في مقر العز والتمكين هم الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ أنتم في النشأة الاولى مستهزئين لهم متهكمين لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ وفضل في النشأة الاخرى ايضا كما لم ينالوا في الاولى انظروا كيف حالهم فيها وكيف قيل لهم كرامة وتكريما من قبل الحق تفضلا عليهم وامتنانا ادْخُلُوا الْجَنَّةَ التي هي دار الأمن والامان ومنزل الفرح والسرور لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ اليوم بعد ما دخلتم فيها وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ من فوت شيء وتعويقه

وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ صارخين مستغيثين متمنين متحسرين أَنْ أَفِيضُوا وصبوا عَلَيْنا مِنَ رشحات الْماءِ الذي هو سبب حياتكم الحقيقية وبقائكم السرمدي أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ الجواد الكريم من الرزق الصوري والمعنوي قالُوا في جوابهم بالهام الله إياهم إِنَّ اللَّهَ المطلع على استعدادات عباده قد حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ الذي هو سبب حياتهم الحقيقية في هذه النشأة في الحيوة الدنيا والنشأة الاولى لَهْواً وَلَعِباً يلهون ويلعبون به ويكذبون من أرسل إليهم وانزل عليه الكتب لتبيينه متهكمين معه مستهزئين إياه وَما ذلك الا ان غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بمزخرفاتها من اللذات الجسمانية والشهوات النفسانية وصاروا بسبب تغريرها ناسين العهود والمواثيق التي جرت بيننا وبينهم في بدأ فطرتهم فَالْيَوْمَ اى حين انكشفت السرائر وارتفعت الحجب نَنْساهُمْ ولم نلتفت نحوهم كَما نَسُوا في النشأة الاولى لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا في النشأة الاخرى مع ورود الإنذارات والتخويفات الجارية على السنة الرسل والكتب وَما كانُوا اى وكما كانوا بِآياتِنا الدالة على أمثال هذه المثوبات والإنعامات يَجْحَدُونَ ينكرون ويصرون كذلك يخلدون في النار وينسون

وَكيف لا يخلدون في النار ولا ينسون لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ مبين لجميع احوال النشأتين واحكامهما مع انا قد فَصَّلْناهُ وأوضحنا معانيه وبينا ما فيه من العقائد والاحكام مفصلا عَلى عِلْمٍ حضورى منا متعلق بتفصيله بحيث لا يشذ عن علمنا شيء أصلا وانما فصلناه وأوضحناه وجئنا به ليكون هُدىً اى هاديا ومرشدا ودليلا يرشد ويهدى الى توحيدنا وَرَحْمَةً مخلصة عن سجن الطبيعة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ به وبحقيته وبعد ما آمنوا به وبما فيه من احوال النشأة الاولى والاخرى

هَلْ يَنْظُرُونَ وما ينتظرون أولئك المؤمنون إِلَّا تَأْوِيلَهُ اى ما يئول اليه وما يترتب عليه بعد ما حصل لهم الإذعان بالوقوع يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ويظهر مآله يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ ونبذوه وراء ظهورهم مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ المطابق للواقع فكذبناهم نحن مكابرة وعنادا فَهَلْ لَنا اليوم مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا ليخلصونا من نكال ما أجرمنا أَوْ نُرَدُّ بشفاعتهم على أعقابنا فَنَعْمَلَ حينئذ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ في ايام الغفلة وبالجملة هم قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والشرك وعبادة الغير وَمع ذلك قد ضَلَّ اى غاب وخفى عَنْهُمْ لدى الحاجة ما كانُوا يَفْتَرُونَ لشركائهم من الشفاعة والمظاهرة وكيف لا تتنبهون ولا تنكشفون ايها العقلاء

<<  <  ج: ص:  >  >>