للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد ما نهى سبحانه عن التبذير صريحا والاعراض عمن صرف النعمة الى المعصية نهى سبحانه عن مطلق البخل والتبذير المذمومين تأكيدا ومبالغة

فقال وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً معقودة إِلى عُنُقِكَ بحيث لا يسع لك إعطاء شيء مما رزق الله لك على مستحقيه شحا وبخلا إذ هو افراط وتقتير وَايضا لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ بحيث لا ثبات ولا قرار عندك وفي يدك للأموال والأرزاق المسوقة نحوك لمصلحة الخيرات وبناء الخانات والرباطات وسائر مصالح العباد أصلا فهذا تفريط وتبذير وكلاهما مذمومان شرعا وعقلا فعليك بالاقتصاد الذي هو عبارة عن الكرم والجود والسماحة الممدوحة عند ارباب المروة والفتوة ألا وهو صراط الله الأعدل الأقوم فَتَقْعُدَ بعد اتصافك بالبخل والتقتير مَلُوماً عند الله وعند الملائكة والناس أجمعين وان اتصفت بالإسراف والتبذير تقعد مَحْسُوراً نادما متحسرا قلقا حائرا في نظم معاشك

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ الصوري والمعنوي ويوسعه لِمَنْ يَشاءُ من عباده بمقتضى علمه بحالهم وسعة استعدادهم وقابلية حوصلتهم وَيَقْدِرُ اى يقبض ويضيق على من يشاء منهم بمقتضى علمه بضيق صدورهم وقلة تمكنهم ووقارهم وحكمتهم واعتدالهم إذ الله العليم الحكيم المتقن في أفعاله لا يتجاوز عن مقتضى حكمته وكيف يتجاوز إِنَّهُ سبحانه قد كانَ بِعِبادِهِ عليما خَبِيراً عن بواطنهم وضمائرهم وما يئول اليه أمورهم بَصِيراً بظواهر أحوالهم وتقلباتهم في شئونهم وتطوراتهم

وَلا تَقْتُلُوا ايها البالغون لرتبة التكليف الإلهي أَوْلادَكُمْ الحاصلة لكم من أصلابكم سواء كانوا بنين او بنات بلا رخصة شرعية سيما خَشْيَةَ إِمْلاقٍ اى من خوف فقر وفاقة إذ نَحْنُ من سعة جودنا ووفور رحمتنا نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إذ لا رازق لكم ولهم سوانا وبالجملة إِنَّ قَتْلَهُمْ ان صدر عنكم كانَ خِطْأً كَبِيراً وذنبا عظيما عند الله

وَعليكم ايها المؤمنون المتدرجون في مسالك التحقيق ان لا تَقْرَبُوا الزِّنى بترتيب مقدمات تترتب عليها تلك العفلة القبيحة فكيف الإتيان بها العياذ بالله إِنَّهُ اى الزنا قد كانَ فاحِشَةً مسقطة للعدالة مزيلة للمروءة مبطلة لحكمة التناسل التي هي المعرفة الإلهية إذ ولد الزنا لا يبلغ مرتبة الولاية ودرجة العرفان أصلا وَساءَ سَبِيلًا الزنا لقضاء الشهوة المعدة لسر الظهور والإظهار من لدن حكيم عليم

وَعليكم ايضا ايها الموحدون القاصدون الى معارج التوحيد ان لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها إذ هي بيت الله وتخريب بيته من أعظم الكبائر إِلَّا بِالْحَقِّ اى برخصة شرعية من قصاص وحد وردة الى غير ذلك من الرخص التي قد عينها الشرع وَبالجملة مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً بلا رخصة شرعية فَقَدْ جَعَلْنا بمقتضى عدلنا لِوَلِيِّهِ اى لمن يلي امر المقتول بعده سُلْطاناً سطوة وغلبة على القاتل الظالم مع معاونة الحكام له فَلا يُسْرِفْ اى الولي المنتقم فِي الْقَتْلِ لقصاص المقتول المظلوم بان يقتل غير القائل بدله او يقتله مع غيره وكيف لا يقتل القائل الظالم بدل المقتول المظلوم إِنَّهُ قد كانَ اى المظلوم مَنْصُوراً مرحوما عند الله وعند عموم الخلائق

وَعليكم ايضا ايها المتوجهون نحو الحق بالعزيمة الصحيحة والقصد الخالص ان لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الذي لا متعهد له من الأبوين إِلَّا بِالَّتِي اى بالطريقة التي هِيَ أَحْسَنُ الطرق بحالهم من ازدياد أموالهم وتنميتها وحفظها وتعميرها على وجه العدالة والمروة حَتَّى يَبْلُغَ اليتيم أَشُدَّهُ اى رشده وإذا بلغ الى سن التمييز والتصرف فلكم ايها الأوصياء المتعهدون لأموال اليتامى ردها حينئذ إليهم بعد اختبارهم وامتحان

<<  <  ج: ص:  >  >>