للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجماله الى مقر وحدته وفضاء وجوبه وبقائه ومتى سمعت يا أكمل الرسل ان الإضلال والضلال والإرشاد والهداية انما هي مستندة أولا وبالذات الى مشية الله وارادته لا مدخل لاحد من خلقه فيها أصلا فَلا تَذْهَبْ أنت نَفْسُكَ اى تتعب ولا تهلك نفسك يا أكمل لرسل عَلَيْهِمْ يعنى على غواية من أردت وأحببت أنت هدايته ورشده حَسَراتٍ حال كونك متحسرا متأسفا تحسرا فوق تحسر وتحزنا غب تحزن على ضلالهم وعدم قبولهم الهداية والمعنى أفمن زين له سوء عمله فحسنة على نفسه واعتقده حقا جهلا وعنادا مع انه باطل في نفسه وبذلك ضل عن طريق الحق وانحرف عن سواء السبيل وبعد بمراحل عن الهداية بسبب هذا الاعتقاد الفاسد وأنت يا أكمل الرسل قد أذهبت وأهلكت نفسك عليهم حسرة وضجرة لم لم تهتدوا ولم تؤمنوا فان الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المراقب على جميع حالاتهم عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ يجازيهم حسب علمه بسوء صنيعهم فلا تتعب نفسك بما يفوتون على أنفسهم من الرشد والهداية

وَكيف لا يعلم سبحانه ضمائر عباده واستعداداتهم مع انه اللَّهُ المدبر لأمور عباده المصلح لعموم أفعالهم وأحوالهم وحوائجهم هو الَّذِي أَرْسَلَ بلطفه وبمقتضى جوده الرِّياحَ العاصفة فَتُثِيرُ وتهيج تلك الرياح سَحاباً هامرا مركبا من الابخرة والادخنة المتصاعدة القابلة لان تتكون منها مياه بمجاورة الهوى البارد الرطب فَسُقْناهُ بعد ما قد تم تركيبه وتقاطر منه المطر عناية منا إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ يابس في غاية اليبس بحيث لا خضرة له أصلا فَأَحْيَيْنا بِهِ واخضررنا اى بالمطر الحاصل من السحاب الْأَرْضَ الجامدة اليابسة بَعْدَ مَوْتِها جفافها ويبسها كَذلِكَ اى مثل احيائنا الأرض اليابسة بعد يبسها وجمودها النُّشُورُ يعنى احياؤنا الأموات الجامدة ونشرهم من قبورهم بإعادة الروح المنفصل منهم الى أبدانهم التي قد تفتتت اجزاؤها بإرسال نفحات نسمات لطفنا ورحمتنا لتثير سحاب العناية الماطرة الفائضة قطرات ماء الحياة ورشحات الوجود المسوقة الى أراضي الأبدان اليابسة الجامدة بالموت الطبيعي انما احييناهم من الأجداث إظهارا لقدرتنا وتتميما لحكمتنا واستقلالنا في آثار تصرفاتنا في ملكنا وملكوتنا ولإظهار كمال تعززنا وكبريائنا في ذاتنا وبالجملة

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ التامة الكاملة التي لا يعقبها ذل أصلا فله ان يسترجع الى الله ويتوجه نحو توحيده فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ الذاتية والغلبة الوصفية والسلطنة الاصلية الكاملة والبسطة الشاملة جَمِيعاً ومن أراد ان يتعزز بعزة الله فله في أوائل سلوكه الى الله ان يتذكره سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الى ان ينتهى تذكره الى التفكر الذي هو آخر العمل وصار حينئذ متفكرا في ذاته مستكشفا عن أستار جبروته سبحانه الى ان صار مستحضرا له مكاشفا إياه مشاهدا آثار أوصافه وأسمائه على صحائف الأكوان بلا مزاحمة الأعيان والأغيار وبالجملة فله ان يشتغل بالتذكر في أوائل الحال إِلَيْهِ لا الى غيره إذ لا غير معه في الوجود يَصْعَدُ ويرقى الْكَلِمُ الطَّيِّبُ من الأسماء الحسنى والأوصاف العظمى الناشئ من ألسنة المخلصين المتفكرين في آلاء الله ونعمائه وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ المقرون بالتبتل والإخلاص يَرْفَعُهُ يعنى يحمل ويرفع العمل المنبئ عن الإخلاص والكلم الطيب ويوصله الى درجات القرب من الله فمن كان إخلاصه في عمله أكمل كان درجات كلماته المرفوعة نحوه سبحانه ارفع وأعلى عند الله وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ مع الله المكرات السَّيِّئاتِ يعنى به سبحانه المكر السيئ الذي قد مكر به المشركون خذلهم الله مع حبيبه صلّى الله عليه وسلم لَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>