للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَشَعَتِ الْأَصْواتُ اى خضعت وخفيت أصواتهم وقت النداء والدعاء لِلرَّحْمنِ من شدة اهوال ذلك اليوم بحيث إذا أصغيت الى سماع أقوالهم فَلا تَسْمَعُ منها السامع أنت إِلَّا هَمْساً ذكرا خفيا وصوتا ضعيفا

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ اى شفاعة كل احد من الناجين لكل احد من العاصين إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ بشفاعة بعض الناجين لبعض العصاة من ارباب العناية في ذلك اليوم وَمع انه سبحانه قد رَضِيَ لَهُ قَوْلًا اى تعلق رضاه سبحانه ايضا بقول الشفيع وقت الشفاعة

وانما اذن ورضى سبحانه بالشفاعة للبعض لأنه يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ اى يحيط علمه الحضوري بعموم أحوالهم من العصيان والطاعة وبان اى عصيان يزول بالشفاعة واى عاص يستحق العفو وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً بدقائق معلوماته ورقائق أفعاله سبحانه وآثاره مطلقا

وَبالجملة قد عَنَتِ الْوُجُوهُ اى هلكت وجوه الأشياء وخفيت ظهورها في ذلك اليوم وبقي الوجه الباقي الذي هو لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ المنزه عن الظهور والبطون المقدس من الحركة والسكون وَبالجملة قَدْ خابَ وخسر خسرانا مبينا في ذلك اليوم مَنْ حَمَلَ ظُلْماً عظيما حيث اثبت شريكا لله الواحد القهار

وَبالجملة مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ في الدنيا وَالحال انه هُوَ مُؤْمِنٌ موقن بوحدانية الله فَلا يَخافُ يومئذ لا ظُلْماً بان يحبط اعماله الصالحة بالكلية محانا ولم يجز بها أصلا وَلا هَضْماً بان ينقص من جزاء عمله الصالح

وَكَذلِكَ اى مثل احاطة علمنا بعموم الأشياء قد أَنْزَلْناهُ اى هذا الكتاب الجامع المحيط بجميع ما في العالم إذ لا رطب ولا يابس الا وهو فيه مثبت قُرْآناً عَرَبِيًّا اى كلاما عربي الأسلوب والنظم وَقد صَرَّفْنا كررنا وكثرنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وانواع الإنذارات والتخويفات لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ رجاء ان يحفظوا عهودنا ويتوجهوا الى توحيدنا ويتجنبوا عن شركنا أَوْ يُحْدِثُ ويجدد وعيدات القرآن وقصصه لَهُمْ ذِكْراً عظة وعبرة من احوال الماضين وعذاب الله عليهم من الغرق والمسخ والخسف والكسف لعلهم يتقون ويتذكرون به ومع ذلك لم يتقوا ولم يتذكروا وان قالوا على سبيل المكابرة عتوا وعنادا لربك حاجة واحتياج الى أيماننا وتقوانا والا لم يرجو منا أيماننا وتقوانا

قل لهم يا أكمل الرسل فَتَعالَى اللَّهُ اى تنزه وتقدس الْمَلِكُ المستولى المطلق القيوم المحقق الْحَقُّ الثابت الدائم المستمر ازلا وابدا عما يقول الظالمون المشركون في شأنه من اثبات الاحتياج له بمجرد الرجاء العائد نفعه إليهم ايضا وَإذا كان ظنهم هذا لا تَعْجَلْ أنت يا أكمل الرسل بِالْقُرْآنِ بادائه وتبليغه إياهم وقراءته عليهم مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ يعنى لا تعجل بإرشادهم وتكميلهم بالقرآن من قبل ان يفرغ جبرائيل عليه السّلام من وحيه وتبليغه إليك بل اصبر حتى يفرغ من أداء الوحى على وجهه ثم تأمل في رموزاته وإشاراته الخفية حسب استعدادك وَمع ذلك قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً بما فيه من نفائس المعلومات وعجائب المعارف والحقائق ثم بعد ذلك اتل عليهم ونبههم بقدر عقولهم واستعدادهم

وَبالجملة لا تنس يا أكمل الرسل نهينا لك عن الاستعجال بأداء القرآن من قبل ان يقضى إليك وحيه بل في مطلق الأمور إذ العجلة انما هي من إغواء الشيطان ولا تكن ناسيا نهينا مثل نسيان أبيك آدم عهده معنا فانا لَقَدْ عَهِدْنا إِلى أبيك آدَمَ مِنْ قَبْلُ بقولنا نهيا له ولزوجته لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فَنَسِيَ عهدنا هذا بتغرير الشيطان له مع ان نفعه عائد اليه سيما وقد اكدناه بالمواثيق الوثيقة وَبالجملة لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً صادقا ورأيا صائبا في محافظة العهود والمواثيق

<<  <  ج: ص:  >  >>