للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالهم وشأنهم هذا مَقْتاً اى ليكون سببا لمقتهم وهلاكهم عِنْدَ اللَّهِ اصالة وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وبكمال قدرته على انواع الانعام والانتقام تبعا كَذلِكَ اى مثل ما سمعت يا أكمل الرسل من الإصرار والاستكبار يَطْبَعُ ويختم اللَّهِ العليم الحكيم عَلى كُلِّ قَلْبِ مجبول على الشقاوة والضلال في أزل الآزال مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ يمشى على الأرض خيلاء ويضر باهلها وانما امهله سبحانه هكذا ليوفر عليه العذاب المعد له ويخلده في نار القطيعة والحرمان ابدا الآباد

وَبعد ما ظهر امر موسى وانتشر دينه بين الناس ودعوته الى الله الواحد الأحد الموجد للسموات العلى والأرضين السفلى ومالت النفوس اليه حسب فطرتها الاصلية لوضوح براهينه وسطوع معجزاته قالَ فِرْعَوْنُ مدبرا في دفع موسى متأملا في شأنه مشاورا مع وزيره آمرا له مناديا إياه يا هامانُ قد وقع ما نخاف منه من قبل ابْنِ لِي صَرْحاً بناء رفيعا ظاهرا عاليا من جميع الابنية والقصور لَعَلِّي بالارتفاع اليه والعروج نحوه أَبْلُغُ الْأَسْبابَ المؤيدة لأمر موسى يعنى

أَسْبابَ السَّماواتِ والمؤثرات العلوية فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى واسأل منه امره أهو صادق في دعواه او كاذب وَإِنِّي بمقتضى عقلي ورأيى وفراستي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ساحرا مفتريا على ربه ترويجا لسحره وتغريرا لضعفاء الأنام قيل امر ببناء رصد ليطلع على قوة طالع موسى وضعفه وَكَذلِكَ اى مثل ما سمعت قد زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ اى حسن الله له تدبيره الذي تأمل في دفع موسى ابتلاء منه سبحانه إياه وتضليلا وَصُدَّ وانصرف فرعون بأمثال هذه الأفكار الفاسدة عَنِ السَّبِيلِ السوى الموصل الى توحيد الحق وَبالجملة ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ ومكره الذي دبره لدفع موسى ما وقع إِلَّا فِي تَبابٍ هلاك وخسار وَبعد ما قد الزمهم القائل المذكور بأنواع الإلزام وأسكتهم بالدلائل القطعية واضطروا وتحيروا في شأن موسى ودفعه

قالَ القائل الَّذِي آمَنَ له وكتم إيمانه منهم يا قَوْمِ ناداهم لينقلبوا اليه بكمال الرغبة اتَّبِعُونِ واستصوبوا رأيى واقبلوا قولي أَهْدِكُمْ انا سَبِيلَ الرَّشادِ وطريق الصدق والسداد

يا قَوْمِ ما شأنكم وأمركم في دار الفتن والغرور ومنزلة الغفلة والثبور ومخايلكم بشأنها وما قراركم عليها وثباتكم فيها واعلموا إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ مستعار بلا قرار ومدار وبلا ثبوت واعتبار وَإِنَّ الْآخِرَةَ المعدة لذوي البصائر واولى الأبصار هِيَ دارُ الْقَرارِ واعلموا ايها المجبولون على فطرة التكليف ان

مَنْ عَمِلَ في النشأة الاولى سَيِّئَةً جالبة لغضب الله مستتبعة لعذابه فَلا يُجْزى في النشأة الاخرى إِلَّا مِثْلَها بمقتضى العدل الإلهي وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مستجلبا لنعم الله مريدا لموائد كرمه سواء كان مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَالحال انه هُوَ مُؤْمِنٌ موقن بتوحيد الله مصدق لرسله وكتبه فَأُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ في النشأة الاخرى يُرْزَقُونَ فِيها رزقا صوريا ومعنويا رغدا واسعا بِغَيْرِ حِسابٍ اى بلا تقدير وموازنة مثل أرزاق الدنيا وقال القائل المذكور ايضا على سبيل الملاينة والمجاراة في صورة المناصحة والمقابلة ايقاظا لهم من سنة الغفلة بمقتضى المرحمة وتتميما للغرض المسوق له الكلام

وَيا قَوْمِ ما لِي اى أى شيء عرض علىّ ولحق بي أَدْعُوكُمْ انا من كمال عطفي ومرحمتى إياكم إِلَى النَّجاةِ من عذاب الله ومن حلول قهره وغضبه عليكم والى دخول الجنة المشتملة على انواع اللذات الجسمانية والروحانية المعدة لأهل التوحيد والايمان وَأنتم تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>