للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْدَةً مَيْتاً جافة يابسة لا نبات فيها ولا خضرة لها كَذلِكَ اى مثل اخراجنا النبات من الأرض اليابسة بانزال الماء تُخْرَجُونَ وتنشرون أنتم حال كونكم موتى من قبوركم بنفخ الروح فيكم تارة اخرى

وَكيف تجحدون وتنكرون وجود الصانع الحكيم ووحدته مع انه الله القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَ واظهر الْأَزْواجَ كُلَّها اى جميع اصناف المخلوقات مزدوجات ممتزجات وَقد جَعَلَ لَكُمْ ايضا تتميما لأمور معاشكم وتسهيلا لها مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ اى ما تركبونه لِتَسْتَوُوا وتتمكنوا عَلى ظُهُورِهِ اى ظهور ما خلق لكم من المراكب ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وبالجملة كما أفاض عليكم سبحانه من النعم أصولها وفروعها وجب عليكم ان تواظبوا على شكرها أداء لحق شيء منها وَلكم ان تَقُولُوا عند استوائكم عليه شكرا لنعم الله وأداء لحقوق كرمه سُبْحانَ الَّذِي اى تنزه وتقدس عن سمة النقص والاستكمال تنزها تاما وتقدسا كاملا ذات القادر العليم الحكيم الذي قد سَخَّرَ لَنا هذا المركوب وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ مطيقين لنستسخره لولا اقرانه وتسخيره سبحانه لنا

وَبالجملة إِنَّا في عموم اوصافنا وأحوالنا وذواتنا إِلى رَبِّنا الذي أظهرنا بمد اظلال أسمائه الحسنى وبسط عكوس صفاته العليا علينا وربانا بمقتضى لطفه بالنعم الأوفى لَمُنْقَلِبُونَ راجعون اليه سائرون نحوه بعد انخلاعنا عن لوازم ناسوتنا وارتفاع اغشية تعيناتنا عنا وانما اوصى به تنبيها على ان العبد العارف لا بد ان يكون في عموم انقلاباته وحالاته مسترجعا الى الله عازما بالعزيمة الصادقة الصافية عن مطلق الرياء والرعونات نحو الفناء فيه متذكرا لموطنه الأصلي ومقره الحقيقي عنده سبحانه

وَهم من غاية غفلتهم عن الحق ومن نهاية جهلهم بحقوق ألوهيته وربوبيته قد جَعَلُوا لَهُ سبحانه وأخذوا بعضا مِنْ عِبادِهِ وادعوه جُزْءاً له سبحانه وسموه ولدا ناشئا منه تعالى حيث قالوا الملائكة بنات الله وعزير ابن الله والمسيح كذلك وبالجملة إِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على الجهل والنسيان لَكَفُورٌ متناه في الغفلة عن الله والكفران لنعمه وحقوق كرمه مُبِينٌ ظاهر البغي والطغيان على الله والإلحاد عن دينه وطريق توحيده ومن شدة ظهور بغيهم وطغيانهم ونهاية غفلتهم وعداوتهم قد اثبتوا له اولادا

أَمِ اتَّخَذَ اى بل قالوا قد اتخذ وأخذ سبحانه وتعالى شأنه مِمَّا يَخْلُقُ اى من مظاهره ومصنوعاته بل من أخسها وأدونها اعنى بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ اى فضلكم وخصصكم انفسكم بِالْبَنِينَ وكيف يثبتون أولئك المثبتون المفرطون لله الواحد الأحد الفرد الصمد بنات

وَيختارون لأنفسهم بنين مع انه إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا وهو اثبات البنات له سبحانه يعنى لو بشر احد منهم بولادة البنت له قد ظَلَّ وصار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا من كمال ضجرته وكآبته وَهُوَ حينئذ كَظِيمٌ مملو من الغيظ والكرب فكيف يثبت أمثال هذه المكاره لله المنزه عن أمثالها مطلقا مع ان أخص أوصافه انه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد

أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا اى أتثبتون للصمد المنزه عن الأهل والولد ولدا ناقصا يربى ويزين فِي الْحِلْيَةِ والزينة لعدم كماله الذاتي وَالحال انه هُوَ فِي الْخِصامِ اى المجادلة والمحاورة غَيْرُ مُبِينٍ معرب مظهر لما يدعيه لنقصان عقله وركاكة رأيه وفهمه ألا وهن البنات الناقصات عقلا ودينا وخلقة وبالجملة اثبتوا لله ما ينزهون أنفسهم عنه ويغتمون منه عند حصوله لهم

وَهم من فرط جهلهم وركاكة رأيهم قد جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ المستغرقون الوالهون بمطالعة وجهه الكريم

<<  <  ج: ص:  >  >>