للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسرة حَتَّى عَفَوْا الى ان كثروا وتكاثروا عددا وعددا وَقالُوا بعد ما صاروا مترفهين في سعة ورخاء مكان الشكر واظهار المنة منا قَدْ مَسَّ ولحق آباءَنَا كما لحقنا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أحيانا ومن عادة الزمان وديدن الدهر الخوان تعاقب السراء بالضراء والجدب بالرخاء ثم لما ظهر منهم كفران النعم دائما وعدم الرجوع إلينا بالشكر وبصوالح الأعمال فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فجأة بلا سبق مقدمة وتقديم امارة وَهُمْ حينئذ من غاية عمههم وسكرتهم لا يَشْعُرُونَ بنزول العذاب وحلول الغضب

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى الهالكة العاصية آمَنُوا بالله الواحد الأحد المستقل بالالوهية وبعموم أنبيائه ورسله المبعوثين إليهم من عنده سبحانه وَاتَّقَوْا عن محارم الله بمقتضى أوامره ونواهيه التي قد جاءت بها الأنبياء لَفَتَحْنا ووسعنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ نازلة مِنَ السَّماءِ وَنابتة من الْأَرْضِ وَلكِنْ من خبث طينتهم ورداءة فطرتهم كَذَّبُوا بالله وبعموم أنبيائه ورسله وكتبه فَأَخَذْناهُمْ بعد ما أظهروا التكذيب والإنكار بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بأيديهم لأنفسهم وبالجملة ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى من انتقامنا وبطشنا إياهم ولم يخافوا من أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا عذابنا وعقابنا إياهم بَياتاً في أثناء الليل ويحيط بهم وَهُمْ نائِمُونَ في مضاجعهم

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى ولم يترقبوا من أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى في كمال اضاءة الشمس وإشراقها وَهُمْ حينئذ يَلْعَبُونَ بأمور دنياهم بمقتضى مخايلهم ومناهم

وبالجملة أَفَأَمِنُوا أولئك المنهمكمون في الغفلة والضلال مَكْرَ اللَّهِ المراقب بعموم أحوالهم ولم يخافوا ولم يحزنوا من اخذه وانتقامه ولم يتفطنوا ان من أمن من مكره واخذه فقد خسر خسرانا مبينا وبالجملة فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ المنتقم المقتدر الغيور إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران الأبدي والشقاوة السرمدية في اصل فطرتهم وقابليتهم

أَوَلَمْ يَهْدِ الم يذكر ولم يبين احوال الأمم الهالكة وأخذنا إياهم بما صدر عنهم من تكذيب الأنبياء وتكذيب ما جاءوا به من عندنا من الأوامر والنواهي لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ وصاروا خلفاء مِنْ بَعْدِ أَهْلِها الهالكين بالجرائم المذكورة أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بمقتضى قهرنا وجلالنا الخلفاء ايضا بِذُنُوبِهِمْ التي صدرت عنهم مثل أسلافهم بل بأضعافهم وآلافهم وَمن علامات أخذنا وانتقامنا إياهم انا نَطْبَعُ ونختم أولا عَلى قُلُوبِهِمْ لكيلا يفهموا الآيات ليعتبروا منها فَهُمْ حينئذ لا يَسْمَعُونَ حتى يتعظوا بها

وبالجملة تِلْكَ الْقُرى الهالكة التي نَقُصُّ عَلَيْكَ يا أكمل الرسل في كتابنا هذا مِنْ بعض أَنْبائِها ومن قصصها واخبارها وجرائمها مع الله ورسله وَالله لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الواضحة والمعجزات القاطعة الساطعة من لدنا وهم من خبث طينتهم وشدة شكيمتهم وضغينتهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ اى بما كذبوه قبل إرسال الرسل عليهم بل قد أصروا على ما هم عليه ولم يؤمنوا أصلا ولم يقبلوا من الرسل عموم ما جاءوا به وبالجملة ما تأثروا من دعوة الرسل وآياتهم ومعجزاتهم قط كَذلِكَ يَطْبَعُ ويختم اللَّهُ سبحانه حسب قهره وجلاله عَلى قُلُوبِ جميع الْكافِرِينَ فلا تعجبك يا أكمل الرسل حال اهل مكة وإصرارهم ولا تحزن منهم ولاتك في ضيق من مكايدهم إذ هي من الديدنة القديمة والخصلة الذميمة المستمرة بين الكفرة

وَمن جملة أخلاقهم الذميمة وخصالهم المستهجنة المستمرة ايضا نقض العهود والمواثيق لذلك ما وَجَدْنا وما صادفنا لِأَكْثَرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>