للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورد عن مقر العز ومرتبة النيابة الانسانية القوم الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ايضا ذلِكَ الطرد واللعن عليهم بِما عَصَوْا على الله بعدم امتثال أوامره واجتناب نواهيه وَهم في أنفسهم قوم قد كانُوا يَعْتَدُونَ ويتجاوزون عن المرتبة الانسانية بالخروج عن مقتضى الحدود الإلهية الى ما تهوى أنفسهم وترضى به عقولهم

ومن جملة خصالهم المذمومة انهم كانُوا من غاية غفلتهم وانهماكهم في الضلال لا يَتَناهَوْنَ ولا يمنعون أنفسهم عَنْ مُنكَرٍ مخالف للشرع فَعَلُوهُ مرة او مرارا بعد تنبههم بمخالفته بل يصرون عليه عنادا واستكبارا والله لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ لأنفسهم ذلك المنكر والإصرار الجالب لانواع العذاب والنكال

ولذلك تَرى ايها المعتبر الرائي كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ اى يوادون ويوالون الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وأشركوا له ويصاحبون معهم على طريق المحبة والمودة لذلك يسرى شرور شركهم وكفرهم عليهم والله لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ يعنى بئس شيأ ما كسبت لهم أنفسهم أَنْ سَخِطَ اللَّهُ المنتقم الغيور عَلَيْهِمْ بسببه وَبالجملة فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ دائمون بشؤم ما كسبوا

وَلَوْ كانُوا يعنى أولئك المنافقين يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ المتوحد في ذاته وَالنَّبِيِّ المؤيد من عنده المبعوث الى كافة الأنام وَيؤمنون ايضا بعموم ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ من الفرقان الفارق بين الحق والباطل مَا اتَّخَذُوهُمْ يعنى المشركين أَوْلِياءَ أحباء أصدقاء وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عما فيه صلاحهم وسدادهم من الحكم والاحكام المنزلة في القرآن

لَتَجِدَنَّ ايها الداعي للخلق الى الحق أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا بك وبكتابك الْيَهُودَ وهم الذين قد جبلوا على النفاق والشقاق سيما معك ومع من تبعك وَكذا الَّذِينَ أَشْرَكُوا بالله بإثبات الوجود لغيره لبغضهم مع الموحدين الموقنين بتوحيد الله ووحدة ذاته القاطعين عرق الشركة عن أصله وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً واوكدهم محبة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا للمؤمنين من محض ودادهم وصميم فؤادهم بعد ما تنبهوا لحقية الدين المصطفوى والشرع المحمدي الموصل الى التوحيد الذاتي إِنَّا نَصارى ننصركم ونقوى عضدكم ذلِكَ اى سبب ودادتكم ومحبتكم في قلوبهم بِأَنَّ مِنْهُمْ جمعا قِسِّيسِينَ اى طالبين للعلم اللدني الذي هو ثمرة عموم الشرائع والأديان المنزلة وَان منهم جمعا آخر رُهْباناً متحققين بمرتبة العين لذلك صاروا متصرفين في الأمور الدنيوية بلا تصرف منتظرين لظهور مرتبة الحق اليقين التي أنت تظهر بها يا أكمل الرسل وَأَنَّهُمْ بعد ما وجدوا في وجدانهم ما وجدوا لا يَسْتَكْبِرُونَ ولا يستنكفون عن نصرك وودادتك ايها الجامع لجميع مراتب الحق

وَمن غاية تشوقهم ونهاية تعطشهم الى زلال مشرب اليقين الحقي إِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ من الحكم والاحكام والتذكيرات والرموز والإشارات والعبر والأمثال المنبئ كل منها عن مرتبة اليقين الحقي تَرى ايها الرائي أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ وتسيل مِنَ الدَّمْعِ من غاية تلذذهم ونهاية تشوقهم بتلك المرتبة وذلك التلذذ والتشوق ناشئة مِمَّا عَرَفُوا بقدر وسعهم وطاقتهم مِنَ امارات مرتبة الْحَقِّ اليقين فكيف إذا تحققوا بها وتمكنوا في مقعد الصدق ولهذا يَقُولُونَ من غاية تحننهم وتشوقهم منادين مناجين قلقين حائرين خائفين راجين رَبَّنا آمَنَّا اى صدقنا وتحققنا بما وهبت لنا من مرتبتي العلم والعين وبعد ما تحققنا بتوفيقك بهما فَاكْتُبْنا بفضلك ولطفك مَعَ الشَّاهِدِينَ المتمكنين في مرتبة

<<  <  ج: ص:  >  >>