للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِطْراً نحاسا مذابا فأتوه فصب عليه فاستوى فصار أملس لا فرج لها أصلا

فَمَا اسْطاعُوا وما قدر يأجوج ومأجوج أَنْ يَظْهَرُوهُ ويصعدوا عليه ويعلوا لارتفاعه وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا ايضا ان يحفروا لَهُ نَقْباً لعمقه وغلظ تحصنه

ثم لما انسد واستوى على الوجه الذي قصد قالَ ذو القرنين مسترجعا الى الله شاكرا لنعمه هذا اى إتمام هذا السد المحكم على الوجه الأسد الأحكم رَحْمَةٌ نازلة على مِنْ رَبِّي إذ لولا توفيقه واقداره لما صدر عنى وبقدرتي أمثال هذا فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي وقرب قيام الساعة وظهر اماراتها وأشراطها ومن جملة اماراتها خروج يأجوج من ورائه جَعَلَهُ سبحانه هذا السد الرفيع المنيع دَكَّاءَ اى مدكوكا مسوى مفتتا اجزاؤه بحيث لم يبق له ارتفاع أصلا وهم حينئذ يخرجون على الناس وَبالجملة قد كانَ وَعْدُ رَبِّي بقيام الساعة واستواء ظهر الأرض وكونها دكاء بحيث لا عوج لها ولا امتا حَقًّا ثابتا محققا لا شبهة فيه ولا في إتيانه ووقوعه.

ثم قال سبحانه وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعنى بعد ما قد جعلنا الأرض مبسوطا مدكوكا حسب قهرنا وجلالنا وجعلنا السد الأسد السديد الرفيع المنيع مسوى قد أخرجنا يأجوج ومأجوج باقدارنا إياهم بالخروج وتركنا حينئذ بعض الناس يموج ويزدحم ويدخل من صولتهم واستيلائهم بعضا آخر مضطربين مضطرين يعنى بعض الناس يهرب منهم ويزدحم في اماكن البعض الآخر فيضيق عليهم الأمكنة والأطعمة فاضطرب الكل من تلك التموج والازدحام وَهم في تلك الاضطراب والتشتت من استيلاء أولئك الظلمة القهارين القتالين نُفِخَ فِي الصُّورِ للحشر والجمع الى المحشر والمجمع وقامت الطامة الكبرى فَجَمَعْناهُمْ حينئذ اى جميع الخلائق للعرض والحساب جَمْعاً مجتمعين في الحشر

وَبعد جمعنا إياهم قد عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ اى يوم الحشر لِلْكافِرِينَ المعرضين المكذبين للرسل والكتب المنكرين ليوم العرض والجزاء عَرْضاً على سبيل الإلزام والتبكيت سيما للقوم

الَّذِينَ قد كانَتْ أَعْيُنُهُمْ في النشأة الاولى فِي غِطاءٍ وغشاوة كثيفة عَنْ ذِكْرِي اى عن آياتي الدالة على ذكرى المؤدية الى التفكر والتدبر في آلائي ونعمائي المؤدية الى ملاحظة ذاتى المنتهية الى المكاشفة والمشاهدة للموفقين المؤيدين من عندي المنجذبين الى وَهم قد كانُوا ايضا لا يَسْتَطِيعُونَ ولا يقدرون سَمْعاً اى إصغاء والتفاتا الى استماع كلمة الحق لتعطيلهم وكفرانهم حسب خباثة فطرتهم وطينتهم نعمة الحق الموهوبة لهم لاستماع كلمة الحق وإصغاء دلائل التوحيد عن مقتضاها.

ثم قال سبحانه على سبيل التقريع والتوبيخ أَللكفرة المشركين المتخذين آلهة سوى الله من مصنوعاته ومخلوقاته فَحَسِبَ وظن القوم الَّذِينَ كَفَرُوا وأشركوا بسبب أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي

واعتقدوهم مثل عزير وعيسى وعموم الأوثان والأصنام مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ آلهة سواي يعبدونهم كعبادتهم إياي أنا لا نأخذهم ولا ننتقم عنهم في يوم الجزاء كلا وحاشا وكيف لا نأخذهم ولا ننتقم عنهم إِنَّا من كمال قهرنا وغضبنا على من أشرك بنا غيرنا واثبت آلها سوانا قد أَعْتَدْنا وهيئنا جَهَنَّمَ البعد والخذلان المملوة الممتلئة بنيران الحرمان لِلْكافِرِينَ المعرضين عن مقتضيات آياتنا وكتبنا ورسلنا نُزُلًا ومنزلا معدا ينزلون فيها يوم الجزاء نزول المؤمنين في جنة الوصال ومقر الآمال

قُلْ يا أكمل الرسل للمشركين المتخذين أربابا من دون الله من مصنوعاته يعبدونهم مثل عبادته وينكرون توحيده ويكذبون كتبه ورسله المبينين لأحوال النشأتين عنادا ومكابرة هَلْ نُنَبِّئُكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>