للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاية اغتراره وذهوله ونهاية غفلته وغروره واعتقاده كبرا وخيلاء انه حقيق بهذه المرتبة حيثما كان فرد الله سبحانه عليه على ابلغ الوجوه

وآكدها بقوله أَطَّلَعَ الْغَيْبَ اى أيدعي هذا الطاغي التائه في تيه الجهل والغفلة علم الغيب واطلاع السرائر والخفايا أَمِ اتَّخَذَ وأخذ عِنْدَ الرَّحْمنِ اى من عنده على لسان نبي من أنبيائه او ملك من ملائكته عَهْداً ليعطيه في الآخرة مالا وولدا إذ لا معنى للجزم بهذه الدعوى سيما ان يؤكد بالحلف الا بأحد هذين الطريقين

كَلَّا وحاشا ليس لهذا الجاهل الكذاب لا هذا ولا ذاك بل سَنَكْتُبُ نأمر الحفظة ان يكتبوا ما يَقُولُ هذا المسرف المغرور اغترارا بماله وجاهه وَنَمُدُّ لَهُ نزيد عليه يوم الجزاء مِنَ الْعَذابِ مَدًّا اى عذابا فوق العذاب أضعافا وآلافا بكفره وإصراره واغتراره على كفره وعتوه على اهل الايمان واستهزائه بهم

وَبعد ما نهلكه ونميته نَرِثُهُ ما يَقُولُ ويفتخر به من الأموال والأولاد وغيرها ونرث وننزعها عنه ونجرده منها بحيث لا يبقى معه شيء منها وَبالجملة يَأْتِينا يوم العرض والجزاء فَرْداً صفرا خاليا بلا اهل ولا مال ولا ايمان ولا عمل وَمن غاية جهلهم بالله ونهاية غفلتهم عن حق قدره وقدر وحدته واستيلائه واستقلاله

قد اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً من تلقاء أنفسهم وعلى مقتضى اهويتهم الفاسدة لِيَكُونُوا اى آلهتهم لَهُمْ عِزًّا اى سببا لعزهم وتوقيرهم عند الله يشفعون لهم او يخففون عنهم عذابهم

كَلَّا ردع لهم عما اعتقدوا من الفوائد العائدة لهم من عبادة الأوثان والأصنام من الوصلة والوسيلة والشفاعة والتسبب للنجاة بل سَيَكْفُرُونَ وينكرون أولئك المعبودون يومئذ بِعِبادَتِهِمْ اى بعبادة الكفرة المشركين إياهم وَكيف يشفعون لهم حينئذ بل يَكُونُونَ اى معبوداتهم عَلَيْهِمْ ضِدًّا يضادون معهم يعادون بل يريدون مقتهم وازدياد عذابهم ثم لما تعجب صلّى الله عليه وسلّم من قسوة قلوب الكفرة وشدة عمههم وسكرتهم في الغفلة ومن عدم تفطنهم وتنبههم بحقيقة آيات التوحيد مع وضوحها وسطوعها مع انهم من زمرة العقلاء المجبولين على فطرة المعرفة والإيقان سيما بعد ظهور الحق وعلو شأنه وارتفاع قدره برسالته صلّى الله عليه وسلّم ونزول القرآن له واختتام امر البعثة والتشريع بظهوره وهم بعد منكرون مكابرون معاندون أشار سبحانه الى سبب غيهم وضلالهم وتماديهم فيه على وجه يزيح تعجبه صلّى الله عليه وسلّم

فقال سبحانه مخاطبا له أَلَمْ تَرَ يا أكمل الرسل ولم تتفطن أَنَّا بمقتضى اسمنا المضل المذل قد أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ المضلين عَلَى الْكافِرِينَ الذين أردنا اضلالهم وإذلالهم في سابق علمنا ولوح قضائنا وسلطناهم عليهم بحيث تَؤُزُّهُمْ تهزهم وتحركهم وتغريهم بتسويلاتهم نحو المعاصي والآثام وتوقعهم بأنواع الفتن والاجرام وتحبب عليهم الشهوات واللذات النفسانية المستلزمة المستجلبة لانواع العقوبات المبعدة عن مطلق المثوبات وعن الفوز بعموم المرادات الاخروية أَزًّا تحريكا دائما بحيث صار قلوبهم المعدة بحسب الفطرة الاصلية للمعرفة والتوحيد مطبوعة بغشاوة عظيمة وغطاء كثيف لا يرجى انجلاؤها وصفاؤها أصلا لذلك لم يتفطنوا بظهور الحق بلوائح آياته ولوامع علاماته مع كمال وضوحها وانجلائها وشعشعتها

وبالجملة فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ يا أكمل الرسل بعد ما علمت حالهم بإهلاكنا إياهم وانتقامنا عنهم ولا تيأس من امهالنا وتأخيرنا إهلاكهم ان نمهل أخذهم وانتقامهم بل إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ بامهالنا إياهم أيام اجالهم وأوقاتها عَدًّا متى وصل وقتها وحل أخذناهم واستأصلناهم

<<  <  ج: ص:  >  >>