للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقام التسليم والرضاء فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وأكدوا ايمانهم بالإخلاص في عموم الأعمال والأفعال والأخلاق وَأَنْفِقُوا بلا شوب المن والأذى وشين السمعة والرياء لَهُمْ بسبب ايمانهم وانفاقهم على وجه الإخلاص أَجْرٌ كَبِيرٌ لا اجر اكبر منه وأعلى. ثم قال سبحانه على طريق الحث والإلزام المشعر بالوعيد

وَما لَكُمْ اى أى شيء عرض عليكم ولحق بكم ايها المكلفون حتى لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستحق للاطاعة والايمان وَلا سيما الرَّسُولُ المبلغ الكامل في الهداية والتكميل يَدْعُوكُمْ بمقتضى الوحى والإلهام الإلهي المنزل من عنده لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ مع انه صلّى الله عليه وسلّم مؤيد بالمعجزات الساطعة والحجج القاطعة الدالة على صدقه في دعوته من عنده ودعواه في رسالته الى كافة الأنام وَالحال انه قَدْ أَخَذَ الله العليم العلام باستعداداتكم منكم مِيثاقَكُمْ وعهدكم بالإيمان في سالف الزمان اى في مبدأ فطرتكم ومنشأ جبلتكم مع انه سبحانه قد جبلكم حين قدر خلقكم وانشأ فطرتكم على جبلة التوحيد والايمان فماذا يمنعكم عنه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بسبب وموجب فهذا موجب عظيم لا مزيد عليه إذ

هُوَ سبحانه الحكيم العليم الَّذِي يُنَزِّلُ من مقام فضله وجوده عَلى عَبْدِهِ محمد صلّى الله عليه وسلم آياتٍ بَيِّناتٍ مبينات واضحات لِيُخْرِجَكُمْ الله سبحانه اصالة ورسوله تبعا وإرشادا مِنَ الظُّلُماتِ المتراكمة المتكاثفة من لوازم الطبيعة ولواحق الهيولى إِلَى النُّورِ اى نور الوجود البحت الخالص عن مطلق القيود وَاعلموا ايها المكلفون إِنَّ اللَّهَ الرقيب المحافظ عليكم مشفق بِكُمْ منكم لأنفسكم بارادة إخراجكم من ظلمات الجهل الى نور اليقين وانه لَرَؤُفٌ عطوف رَحِيمٌ متناه في الرحمة والرأفة

وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا اى أى شيء يمنعكم عن الانفاق فِي سَبِيلِ اللَّهِ من مال الله تقربا اليه وطلبا لمرضاته وامتثالا لأوامره وَكيف لا يكون أموالكم لِلَّهِ الغنى بذاته المستغنى عن مطلق مظاهره ومصنوعاته مع انه له سبحانه مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى عموم ما في العلويات والسفليات والممتزجات والحال انه هو غنى بذاته عن انفاقكم وبذلكم الا انه لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ اى أنفق قبل فتح مكة شرفها الله ممتثلا لأمر الله مجتهدا في تقوية دين الإسلام وترويجه وظهوره على الأديان الباطلة وتكثير اهل الحق وتغليبه وَمع إنفاقه على المقاتلين في سبيل الله لإعلاء كلمة توحيده قد قاتَلَ هو ايضا بنفسه وسعى ببذل المال والروح في طريق الحق وترويجه وبالجملة أُولئِكَ السعداء المنفقون المقاتلون هم أَعْظَمُ دَرَجَةً وأكرم مثوبة ومقاما عند الله مَنْ المؤمنين الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ اى بعد فتح مكة وغلبة المسلمين وظهور دين الإسلام على عموم الأديان وَقاتَلُوا بعده مع كثرة المقاتلين وَبالجملة كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى اى قد وعد الله كلا من المسلمين المبادرين والمبطئين الموعدة الحسنى والدرجة العليا والمثوبة العظمى حسب سعيهم واجتهادهم في تقوية الشرع وترويج الدين القويم وَبالجملة اللَّهِ المطلع بسرائر عباده بِما تَعْمَلُونَ اى بعموم أعمالكم وأحوالكم خالصا ومشوبا صالحا وطالحا خَبِيرٌ بصير لا يعزب عن خبرته شيء منها يجازيكم على مقتضى خبرته. ثم قال سبحانه على سبيل الحث والترغيب

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ وينفق في سبيله من أكرم أمواله قَرْضاً حَسَناً بلا شوب المن والأذى وشين السمعة والرياء طلبا لمرضاته سبحانه فَيُضاعِفَهُ لَهُ اى يضاعف له اعواضه واخلافه في الدنيا كرامة عليه وفضلا

<<  <  ج: ص:  >  >>