للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انصرافهم عن الحق واهله مغمورون فِي غَمْرَةٍ غفلة عظيمة وجهل متناه ساهُونَ عن الله وقدر ألوهيته وحقوق ربوبيته ومن كمال غفلتهم وشدة عمهم وسكرتهم

يَسْئَلُونَ على سبيل التهكم والاستهزاء أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ اى متى يوم الجزاء والقيامة يا محمد وفي أى آن يأتينا عذاب الساعة وأهوالها قال الله تعالى سبحانه في جوابهم

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ اى يأتى عليهم العذاب والجزاء في يوم هم يحرقون فيه في النار ويطرحون عليها صاغرين مهانين ويقول لهم الموكلون حين طرحهم فيها توبيخا وتقريعا

ذُوقُوا ايها المجرمون المسرفون فِتْنَتَكُمْ التي أنتم تستعجلون بها في دار الدنيا على سبيل الاستهزاء والمراء وبالجملة هذَا الَّذِي وقعتم فيه وحبستم عليه الآن من العذاب قد كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ أنتم في سالف الزمان على سبيل الإنكار والاستكبار. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه

إِنَّ الْمُتَّقِينَ الممتثلين بأوامر الله المجتنبين عن نواهيه الموردة في كتبه الجارية على ألسنة رسله الحافظين لنفوسهم عن الإفراط في الرخص والمباحات وكيف عن تفريط المحظورات والمحرمات المتلذذون باللذات الروحانية متمكنون فِي جَنَّاتٍ العلم والعين والحق وَعُيُونٍ جاريات من الحكم والمعارف اللدنية المستخرجة من ينابيع قلوبهم المترشحة إليها من بحر الوجود على مقتضى الجود الإلهي حسب استعداداتهم الفائضة لهم من لدنه سبحانه

آخِذِينَ ما آتاهُمْ واعطاهم رَبُّهُمْ تفضلا عليهم وتكريما على وجه الرضاء بجميع ما جرى عليهم من مقتضيات القضاء إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ الفضل واللطف في النشأة الاولى مُحْسِنِينَ الأدب مع الله ورسله ومع خلص عباده عاكفين ببابه متوجهين نحو جنابه في عموم أوقاتهم وحالاتهم ومن جملة إحسانهم انهم قد

كانُوا في دار الدنيا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ اى يرقدون قليلا من ساعات الليل وذلك ايضا بسبب ان لا يعرض لهم الكلال العائق من مواظبة الطاعات ومداومة العبادات

وَهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم وخشوعهم بِالْأَسْحارِ المعدة للتوجه والاستغفار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ دائما كأنهم يرون أنفسهم قاصرة عن رعاية حقوق العبودية على ما ينبغي ويليق بجناب الألوهية لذلك يبالغون في الانابة والاستغفار

وَمع ذلك قد كان فِي أَمْوالِهِمْ وأرزاقهم المسوقة لهم من قبل الحق حَقٌّ حظ ونصيب مفروض مفروز مقدر مخرج هم يوجبونه على أنفسهم لِلسَّائِلِ السائر في سبيل الله المتعرض للسؤال مقدار ما يحتاج اليه وَالْمَحْرُومِ المتعفف عن ذل السؤال المتمكن في زاوية التوكل والتفويض. ثم أشار سبحانه الى حيطة وحدته الذاتية وشمولها على عموم ما ظهر وبطن في الآفاق والأنفس بالاستقلال والانفراد والى سر سريان هويته الذاتية على ذرائر الكائنات تنبيها للمريد المستبصر وايقاظا عن سنة الغفلة ونعاس النسيان فقال

وَفِي الْأَرْضِ اى عالم المسببات والقوابل والاستعدادات المعبر عنها بالآفاق المعدة لظهور آثار القدرة الكاملة الإلهية عليها من العجائب والغرائب المتفرعة عن كمال العلم الحضوري الإلهي ووفور الحكمة المتقنة آياتٌ دلائل واضحات وشواهد لائحات دالة على قدرة الصانع الحكيم ووحدة ذاته واختياره في عموم تصرفاته واستقلاله في مطلق حكمه ومصالحه لِلْمُوقِنِينَ المنكشفين باليقين العلمي والعيني والحقي بل

وَفِي أَنْفُسِكُمْ ايضا ايها المستبصرون المستكشفون عن سرائر الألوهية واسرار الربوبية شواهد ظاهرة تشهد على حقية الحق وتوحده في ظهوره ووجوده أَفَلا تُبْصِرُونَ ايها المجبولون على فطرة

<<  <  ج: ص:  >  >>