للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البعد وسعير الحرمان بَرْداً لحرمانهم عن لذة برد اليقين في النشأة الاولى وَلا شَراباً لأنهم لم يشربوا في النشأة الاولى من زلال الايمان شربة ولا من رحيق التحقيق والعرفان جرعة لذلك ما يشربون في النشأة الاخرى

إِلَّا حَمِيماً ماء حارا يسخن بنيران غضبهم وشهواتهم بحيث يقطع أمعاءهم من شدة حرارته وَغَسَّاقاً صديدا سائلا من جراحات اهل النار بدل ما كانوا يأكلون ويشربون من اموال اليتامى والمظلومين ظلما وعدوانا وبالجملة قد جوزوا فيها جَزاءً وِفاقاً موافقا مطابقا لاعمالهم التي قد أتوا بها في دار الدنيا وبالجملة

إِنَّهُمْ كانُوا حين يمموا المعاصي وعزموا على الآثام لا يَرْجُونَ ولا يأملون حِساباً ولا يخافون عذابا

وَلهذا قد كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على كمال قدرتنا واقتدارنا على وجوه الانعام والانتقام وعلى رسلنا المنزلة إليهم تلك الآيات كِذَّاباً تكذيبا بليغا وإنكارا شديدا بحيث كانوا يستهزؤن بالآيات والرسل مكابرة وعنادا

وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً يعنى وهم وان بالغوا في التكذيب والعناد قد فصلنا نحن أعمالهم وأخلاقهم وجميع خصائلهم المذمومة على صحف أعمالهم التي سيحاسبون عليها على التفصيل ويجازون بمقتضاها وبعد ما يحاسبون ويؤاخذون يقال لهم زجرا عليهم وتوبيخا

فَذُوقُوا ايها المسرفون المفرطون فَلَنْ نَزِيدَكُمْ بأعمالكم وتكذيبكم إِلَّا عَذاباً فوق العذاب في الحديث صلوات الله على قائله هذه الآية أشد ما في القرآن على اهل النار. ثم اردف سبحانه بوعيدهم وعد المؤمنين تشديدا لعذابهم وتأكيدا فقال

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الحافظين نفوسهم عن محارم الله خوفا من عذاب الله ورجاء من فضله مَفازاً مخلصا ومنجاة من جميع المكاره اللاحقة للكفار والعصاة في النار

حَدائِقَ ذات بهجة وبهاء ونضارة ونزاهة وَأَعْناباً معروشات

وَان لهم فيها أزواجا كَواعِبَ نواهد قد استدارت ثديهن مثل الزمان أَتْراباً أبكارا لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان

وَكَأْساً من خمور المحبة الإلهية دِهاقاً ملآنا وهم

لا يَسْمَعُونَ فِيها اى في الجنة عند شرب خمور المحبة لَغْواً فضولا من الكلام وَلا كِذَّاباً اى مكاذبة يكذب بعضهم بعضا كما يقع بين شاربي شراب الدنيا وانما يجازون بما يجازون

جَزاءً ناشئا مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل عَطاءً من لدنه تفضلا عليهم وإحسانا إذ لا يجب عليه سبحانه شيء حِساباً كافيا وافيا لا ينقصون ولا ينتظرون وكيف لا يتفضل سبحانه على أوليائه مع انه (٥)

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى مربى العلويات والسفليات وَما بَيْنَهُمَا من الممتزجات لا مربى لها سواه الرَّحْمنِ المستوي على عروش عموم المظاهر بالرحمة العامة والاستيلاء التام والسلطنة القاهرة والبسطة الغالبة بالإرادة والاختيار بحيث لا يَمْلِكُونَ ولا يقدرون اى اهل السموات والأرض مِنْهُ سبحانه خِطاباً اى لا يسعهم ان يخاطبوه ويطلبوا منه شيأ من زيادة ثواب او نقص عقاب بل هو بذاته فعال لكل ما يريد من مقتضيات أسمائه وصفاته بالإرادة والاختيار لا يسأل عن فعله انه حكيم حميد وكيف يملكون ويقدرون على خطابه سبحانه هؤلاء الاظلال الهلكى في حدود ذواتهم مع انه

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ المطلق وَالْمَلائِكَةُ اى حوامل الأسماء والصفات الإلهية المجردات المنفصلات عن التعلقات المادية مطلقا صَفًّا صافين مصطفين ساكتين صامتين من كمال دهشتهم عن سطوة سلطنة الذات القاهرة الغالبة بحيث لا يَتَكَلَّمُونَ حينئذ ولا يقدرون على التفوه بالحال او المقال إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ بالشفاعة والسؤال فتكلم باذنه وَقالَ صَواباً مرضيا

<<  <  ج: ص:  >  >>