للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستمد منكن وقت اضطراره

ثم لما انكشف الأمر عند العزيز وجزم بطهارة ذيل يوسف ونجابة طينته بادر الى ستره واخفائه خوفا من الفضيحة فقال مناديا ليوسف أولا لصدقه وطهارته يا يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا التكلم واسكت منه واكتمه في سرك فقد ظهر على صدقك وبراءتك وَاسْتَغْفِرِي أنت ايضا يا زليخا لِذَنْبِكِ إِنَّكِ في هذا الأمر قد كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ المتعمدين القاصدين على الجريمة القبيحة والديدنة الشنيعة جمعه جمع المذكر للتغليب

وَبعد ما شاع أمرهما وانتشر قصتهما بين الأنام قالَ نِسْوَةٌ جماعة من صناديد النسوان فِي الْمَدِينَةِ على سبيل التشنيع والتقريع امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ وتخادع فَتاها عَنْ نَفْسِهِ طلبا لمواقعته إياها ومجامعته معها إذ قَدْ شَغَفَها حُبًّا يعنى قد دخل حبه في جميع شغاف قلبها وشقوقه فصار قلبها مملوا بمحبته وعشقه لذلك راودته ما اشنعها وافضحها وبالجملة إِنَّا لَنَراها بقبح فعلها وسوء صنيعها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ من لحوق العار عليها وعلى زوجها وفشو الفضيحة سيما مع الرقيق وكسر عرض العزيز بين الأنام

فَلَمَّا سَمِعَتْ راعيل بِمَكْرِهِنَّ وغيبتهن وتخطئتهن إياها خفية أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ قواصد ليدعوهن على سبيل الضيافة وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ وهيأت لكل واحدة منهن في بيتها مُتَّكَأً على حدة ليتكأن عليه على ما هو عادة بلدتهم ووضعت عند كل متكأ طبقا من الفواكه مثل الرمان والتفاح والكمثرى وغيرها وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ وبعدد رؤسهن سِكِّيناً شديد الحدة والمضأ وبعد تهيئة أماكنهن على الوجه المذكور قد جئن وجلسن عليها واشتغلن بأكل الفواكه وتنقية قشورها بالسكين وَبعد ذلك قالَتِ زليخا ليوسف اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فخرج فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وكبرن جميعا لله برؤية جماله وكمال حسنه البديع وبهائه وغاية نضارته وصفائه إذ يتشعشع ويلمع ضوء وجهه على الجدار مثل الشمس والقمر. وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم انه قال رأيت أخي يوسف الصديق عليه السّلام ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر ومن شدة حيرتهن بحسنه وجماله بهتن بأجمعهن وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ اى كل منهن وَبعد ما افقن قُلْنَ مستبعدات مستغربات حاشَ لِلَّهِ وتنزه ذاته من ان يعجز عن خلق مثله غير انه ما هذا الهيكل المرئي بَشَراً إذ لا نرى البشر قط على هذه الصورة إِنْ هذا ما هذا المشاهد المحسوس إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ نجيب مصور من الروح لا من الطين وبعد ما قد تفرست زليخا منهن ما تفرست من كمال الحيرة والحسرة والوله والهيمان برؤيته

قالَتْ فَذلِكُنَّ وهذا ذلك العبد الكنعانى الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وفي مراودته والافتنان به وبمحبته ولما رأت راعيل منهن ما رأت من نفسها بل أشد منه أقرت عندهن ما فعلت معه لتستعين منهن ويحتلن هن وهي بأجمعهن في تليين قلبه فقالت متحسرة مقسمة وَالله لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ مرارا كثيرة فَاسْتَعْصَمَ وابى عن القبول من كمال عفته وعصمته ومن نجابة فطرته وطينته وَالله لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ ولم ينجح ما انا آمرة به طالبة إياه ولم يقبل قولي ولم يقض حاجتي لَيُسْجَنَنَّ وليحصرن في السجن مدة وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ الذليلين المهانين الباقين في السجن مدة مديدة فلما قالت راعيل ما قالت وأقسمت بما أقسمت التفتت النسوة بأجمعهن على اعانتها واتفقن على إنجاح مرادها والحن واقترحن على يوسف بقبول قولها والإتيان بمطلوبها إلحاحا بليغا بل قد اضمرن في انفسهن كل منهن إتيانه عليهن بمقتضى شهوات النساء وبعد ما رأى يوسف منهن اتفاقهن واجتماعهن على منكر ناجى ربه من شرهن وتعوذ نحوه سبحانه

<<  <  ج: ص:  >  >>