للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإخراجهم عن رتبة الخلافة والنيابة وفطرة التكليف والتوحيد لصيرناهم جمادات لا قدرة لها على الذهاب والإياب أصلا وبالجملة هم بسبب أعمالهم الفاسدة وأفعالهم القبيحة واوصافهم الذميمة وأخلاقهم الغير المرضية أحقاء ان يفعل بهم ما ذكرنا لكن لقد سبقت رحمتنا واقتضت حكمتنا ان نمهلهم زمانا الى ان يتنبهوا او يتولد منهم من يتنبه ويتفطن

وَكيف لا نقدر على الطمس والمسخ مع انا بمقتضى قدرتنا وقوتنا مَنْ نُعَمِّرْهُ منهم ونطول عمره في الدنيا نُنَكِّسْهُ ونضعفه فِي الْخَلْقِ بالآخرة الى ان نرده الى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيأ ثم نميت الكل ونصيرهم ترابا وعظاما ولا شك ان من قدر على الأحياء والاماتة والتطويل والتنكيس فهو قادر على المسخ والتطميس فمن اين يتأتى لهم ان ينكروا قدرتنا واختيارنا في أفعالنا واستقلالنا في تصرفات ملكنا وملكوتنا أَفَلا يَعْقِلُونَ ولا يتأملون آثار قدرتنا الغالبة الكاملة الظاهرة على الآفاق والأنفس أولئك العقلاء المتأملون حتى يتفطنوا ويتيقنوا بها. ثم لما قال كفار مكة خذلهم الله ان محمدا شاعر وما جاء به مفترى الى ربه من جملة الاشعار والقياسات المخيلة المشتملة على الترغيبات والتنفيرات والمواعيد والوعيدات وادعاء النبوة والوحى والمعجزة ما هو الا قول باطل وزور ظاهر رد الله عليهم قولهم هذا على وجه المبالغة والتأكيد فقال وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ اى ما جعلنا فطرته الاصلية واستعداده الجبلي قابلة على القياسات الشعرية المبتنية على محض الكذب والخيال المرغب والمنفر بل ما جعلناها الا منزهة عنها بريئة عن أمثالها طاهرة عن ادناس الطبيعة مطلقا خالصة عن شوائب الإمكان ولوث الجهل والتقليد متحلية باليقين والبرهان المنتهى الى الكشف والعيان ثم الى الحق الذي هو منتهى الأمر في باب العرفان وَما يَنْبَغِي لَهُ ويليق بشأنه وبشأن كتابه المنزل عليه ان ينسب هو وهو الى الشعر والشعراء الذين هما ابعد بمراحل عن ساحتي عز جلالهما بل إِنْ هُوَ اى ما الكلام المنزل على خير الأنام إِلَّا ذِكْرٌ عظة وتذكير ناشئ عن العلم والحكمة المتقنة الإلهية مشيرا الى التوحيد الذاتي منبها عليه وَقُرْآنٌ مُبِينٌ مشتمل على احكام ظاهرة وآيات واضحة وبينات لائحة محتو على الأوامر والنواهي الإلهية والحدود والقوانين الموضوعة بالوضع الإلهي بين عباده ليوصلهم الى طريق توحيده منزل على رسوله المستعد لحمله وقبوله

لِيُنْذِرَ أنت يا أكمل الرسل بالتبليغ ان قرئ على صيغة الخطاب او القرآن ان قرئ على الغيبة مَنْ كانَ حَيًّا بحياة الايمان موفقا من عندنا باليقين والعرفان معدودا عن عداد السعداء في حضرة علمنا ولوح قضائنا وَالا يَحِقَّ الْقَوْلُ ويصدر الحكم منا بلحوق العذاب حتما عَلَى الْكافِرِينَ المصرين على الكفر والعناد المائتين بموت الجهل والإنكار

أَينكرون أولئك المنكرون المشركون توحيدنا ويكفرون نعمنا الفائضة عليهم على التعاقب والتوالي وَلَمْ يَرَوْا ولم يعلموا أَنَّا بمقتضى جودنا خَلَقْنا لَهُمْ بمحض قدرتنا وحكمتنا مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا بلا صنع لهم وتسبب ومظاهرة أَنْعاماً أجناسا وأنواعا وأصنافا فَهُمْ لَها مالِكُونَ متصرفون فيها ضابطون لها قاهرون عليها

وَكيف لا يملكون ولا يتصرفون فيها بأنواع التصرفات مع انا قد ذَلَّلْناها وسخرناها اى أجناس الانعام مع كمال قوتها وقدرتها لَهُمْ ولم نجعلها آبية وحشية عنهم بل مقهورة لهم مذللة لحكمهم لذلك فَمِنْها رَكُوبُهُمْ اى مراكبهم التي يركبون عليها كالإبل والخيل وَمِنْها يَأْكُلُونَ من لحومها وشحومها

وَمع ذلك لَهُمْ فِيها اى في الانعام مَنافِعُ كثيرة من أصوافها واوبارها واشعارها ونتائجها وَمَشارِبُ من ألبانها أَفَلا يَشْكُرُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>