للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخلوقاته بأمثال هذه الهذيانات الباطلة لَتَقُولُونَ في حق الله وفي حق أولئك الأصفياء الأمناء قَوْلًا عَظِيماً بهتانا وزورا تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا إذ نسبة الأولاد الى الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن مطلق الأشباه والأنداد في نهاية الشناعة والفساد واشنع منه نسبة الإناث اليه ثم نسبة الملائكة الذين هم من أفضل عباد الله وأشرفهم الى الأنوثة المستحقرة المذمومة شرعا وعقلا هذا مع غاية الإفراط في حق الله والتفريط في حق خلص عباده لذلك وصف سبحانه هذا القول الشنيع بالعظمة

ثم قال سبحانه توبيخا لهم وتقريعا واشارة الى تناهيهم في الضلال والطغيان وَلَقَدْ صَرَّفْنا وكررنا مرارا شناعة هذا القول اى نسبة الولد الى الله الصمد المنزه في ذاته عن الأهل والولد وكذا أمثاله وأضرابه من الهذيانات التي لا يليق بجنابه فِي هذَا الْقُرْآنِ المنزل لهداية اهل الغي والضلال لِيَذَّكَّرُوا اى ليتذكروا ويتعظوا ويتفطنوا الى وخامة عواقبه ومآله ومع ذلك لم يتذكروا ولم يتفطنوا بل وَما يَزِيدُهُمْ ذلك التكرار والمبالغة إِلَّا نُفُوراً اعراضا عن الحق وإصرارا على ما هم عليه من الباطل

قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتبكيتا لَوْ كانَ مَعَهُ سبحانه آلِهَةٌ أمثاله كَما يَقُولُونَ وتدعون أنتم ايها المشركون المدعون المعاندون انهم معبودون بالحق مستحقون للعبادة كما زعمتم إِذاً لَابْتَغَوْا ولطلبوا تلك الالهة البتة إِلى معاداة ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ليغلبوا عليه ويستولوا على ملكه كما يتخيل الولاة بعضهم بالنسبة الى بعض وإذا عجزوا عن مماراته ومقابلته لم يكونوا مثله فلم يستحقوا للعبادة المطلقة مثله

سُبْحانَهُ اى نزه سبحانه ذاته تنزيها بليغا وقدسه تقديسا متناهيا في القدس والنزاهة وَتَعالى اى ترفع وتعاظم عَمَّا يَقُولُونَ هؤلاء الظالمون المسرفون المفرطون في شانه من اثبات الشريك المماثل له والكفو المتكافئ معه عُلُوًّا كَبِيراً اى تعاليا وتباعدا في غاية البعد والاستحالة والامتناع إذ لا موجود سواه ولا اله غيره وكيف تغفلون وتذهلون عن دلائل توحيد الحق وشواهد استقلاله ايها الضالون المضلون مع انكم أنتم مجبولون على فطرة المعرفة والتوحيد مخلوقون على جبلة اليقين والعرفان ومع ان عموم المظاهر ينزهون ذاته عن مطلق النقائص حالا ومقالا

إذ تُسَبِّحُ لَهُ وتقدس ذاته عن الشريك والولد والكفو والنظير السَّماواتُ السَّبْعُ المطبقة المعلقة المنضدة المنظومة على ابلغ النظام وأعجبه مع ما فيها من الكواكب المختلفة الألوان والأشكال والمنازل والحركات والآثار المترتبة عليها ومع ما فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المبدعات والمخترعات التي لا علم لنا الا بانياتها دون لمياتها كل ذلك يدل على وحدة مظهرها وبارئها وتفرد موجدها وَالْأَرْضُ وما عليها من انواع النباتات والمعادن والحيوانات التي قد عجزت عن عدها وإحصائها ألسنة اولى البصائر والنهى المعتبرين المتأملين في مصنوعات الحق وعجائب مخترعاته وَكذا مَنْ فِيهِنَّ من الملائكة والثقلين المجبولين على عبادة الحق وعرفانه وَبالجملة إِنْ مِنْ شَيْءٍ وما من ذرة يطلق عليه اسم الشيء ويمتد عليه ظل الوجود إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ اى يقدس ذاته وينزهه عن شوب الحدوث والإمكان بعضه بلسان الحال وبعضه بلسان القال سيما عن أقوى امارات الإمكان التي هي الإيلاد والاستيلاد وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ ولا تفهمون أنتم ايها المنهمكون في الغي والضلال تَسْبِيحَهُمْ لعدم التفاتكم واشتغالكم بالتدبر والتأمل في مصنوعات الحق والتفكر في آياته بل تنكرونها وتصرون على القدح فيها عنادا ومكابرة وتشركون بالله العياذ به منه أندادا وبذلك قد استوجبتم أشد العذاب وأسوأ النكال فامهلكم الله إِنَّهُ كانَ حَلِيماً

<<  <  ج: ص:  >  >>