للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسويلات والتعريرات وما يترتب عليه من الاعراض والانصراف عن الحق بِأَنَّهُمْ اى بسبب ان اليهود والنصارى قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا اى للمنافقين الذين كرهوا ما نَزَّلَ اللَّهُ من السور المشتملة على امر القتال حثا لهم على المخالفة سَنُطِيعُكُمْ وتعاون عليكم فِي بَعْضِ الْأَمْرِ لو أظهرتم المخالفة يعنى ان عاتبوكم اى المسلمون وقصدوا الانتقام عنكم نحن نعاون. ما قالوا ما قالوا في خلواتهم وَاللَّهُ المطلع لعموم أحوالهم يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ كما يعلم اعلانهم هذا من جملة ما احتالوا ومكروا مع الله ورسوله ليردوا ضعفاء المؤمنين عن دينهم

فَكَيْفَ يحتالون ويمكرون إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ المأمورون لقبض أرواحهم يَضْرِبُونَ حينئذ وُجُوهَهُمْ جزاء ما توجهوا بها نحو الباطل وَأَدْبارَهُمْ جزاء مما انصرفوا بها عن الحق

ذلِكَ التوفي على وجه العبرة بِأَنَّهُمُ قد اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ من الاعراض عن طريق الحق ومتابعة اهله وَكَرِهُوا بمقتضى اهويتهم الفاسدة رِضْوانَهُ اى ما رضى عنه سبحانه من الأوامر والنواهي المنزلة على ألسنة رسله وكتبه وبعد ما خالفوا امر الله وامر رسله فَأَحْبَطَ سبحانه بمقتضى قهره وجلاله أَعْمالَهُمْ اى صوالح أعمالهم بحيث لا يترتب عليها الجزاء الموعود كما يترتب على صالحات اعمال المطيعين

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مستقر وحسد مؤبد وشكيمة شديدة مع الله ورسوله والمؤمنين أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ ولن يبرز ويظهر ابدا أَضْغانَهُمْ وأحقادهم التي اضمروها في نفوسهم

وَلم يعلموا انا لَوْ نَشاءُ تفضيحهم لَأَرَيْناكَهُمْ وبصرنا عليك يا أكمل الرسل عموم ما اضمروا في نفوسهم فَلَعَرَفْتَهُمْ أنت حينئذ بِسِيماهُمْ بمجرد ابصارك إياهم لظهور ما في صدورهم من الغل عن وجوههم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ أنت نفاقهم وشقاقهم فِي لَحْنِ الْقَوْلِ الباطل الذي قد صدر عنهم مغشوشا مزخرفا وبعد ما نزل هذه الآية لا يتكلم منافق عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا عرفه ويستدل بكلامه على ما في ضميره من الفساد والنفاق وَبالجملة اللَّهُ المطلع بعموم احوال عباده يَعْلَمُ منكم أَعْمالَكُمْ ونياتكم فيها ومقاصدكم عنها فيجازيكم على مقتضى علمه. ثم قال سبحانه مقسما

وَالله لَنَبْلُوَنَّكُمْ ونختبرنكم ايها المجبولون على فطرة الإسلام بالتكاليف الشاقة والأوامر الشديدة حَتَّى نَعْلَمَ اى نفرق ونميز الْمُجاهِدِينَ المجتهدين مِنْكُمْ ببذل الوسع والطاقة على امتثال المأمور به وَالصَّابِرِينَ المرابطين قلوبهم بحبل الله وتوحيده الموطنين نفوسهم بالرضاء بجميع ما جرى عليهم من القضاء وَنَبْلُوَا ايضا أَخْبارَكُمْ التي صدرت عنكم وقت تكليفنا إياكم إذ الاخبار منتشئة عن الضمائر والأسرار وبالجملة

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا الله واعرضوا عن مقتضيات تكاليفه الصادرة عن الحكمة البالغة الإلهية وَمع كفرهم وضلالهم في أنفسهم قد صَدُّوا وصرفوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ضعفاء عباده وَمع ذلك شَاقُّوا اى قد خالفوا وخاصموا الرَّسُولَ المرسل من عنده سبحانه المبعوث إليهم للإرشاد والتكميل لا عن شبهة صدرت عنه تدل على كذبه وافترائه بل مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى وثبت عندهم هدايته عقلا ونقلا ومع ظهور صدقه وهدايته كذبوه وانا وظلما وبواسطة هذه الجرأة على الله ورسوله لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ المنزه في ذاته عن ان يكون معروضا للنفع والضرر شَيْئاً من الضر والإضرار بل وَسَيُحْبِطُ ويضيع سبحانه بأمثال هذه الجرائم والآثام أَعْمالَهُمْ الصادرة عنهم لتثمر لهم الثواب فانقلب الأمر عليهم فتثمر لهم العقاب

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>