للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقدره وشأنه لكن قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ بصدقه وحقيته منكم ايها الكافرون لفرط عنادكم واستكباركم

وَلا هو بِقَوْلِ كاهِنٍ كما زعم بعضهم ان محمدا كاهن لكن قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ وتتعظون منه ان ما فيه ليس من جنس كلام الكهنة لا لفظا ولا معنى إذ ليس في القرآن من السرائر والاحكام إلا وهي مشعرة بالحكمة المتقنة الإلهية التي هي بمراحل عن احلام الكهنة المنحرفين عن جادة التوحيد والإسلام بل ما هو الا

تَنْزِيلٌ صادر ناش مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ لتربية عموم العباد على مقتضى الحكمة المتقنة ليستعدوا بفيضان التوحيد واليقين

وَلَوْ تَقَوَّلَ اى اختلق وافترى عَلَيْنا محمد بَعْضَ الْأَقاوِيلِ من تلقاء نفسه بلا وحى منا اليه

لَأَخَذْنا البتة وانتقمنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ اى بالقدرة الكاملة كما ننتقم عن سائر العصاة المفترين

ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ زجرا عليه وتعذيبا له الْوَتِينَ اى نياط قلبه الذي منه عموم إدراكاته

فَما مِنْكُمْ ايها المكلفون مِنْ أَحَدٍ حينئذ عَنْهُ اى عن أخذنا وعذابنا إياه حاجِزِينَ مانعين يمنعوننا عن بطشه وتعذيبه يعنى ان محمدا صلّى الله عليه وسلّم لا يفترى علينا شيأ لاجلكم ايها الكافرون وهو صلّى الله عليه وسلّم يعلم منا انه لو افترى علينا شيأ من تلقاء نفسه ونسبه إلينا ظلما وزورا لعذبناه عذابا شديدا بحيث لا يقدر احد ان يدفع عذابنا عنه

وَبالجملة إِنَّهُ اى القرآن لَتَذْكِرَةٌ صادرة منا متعلقة لِلْمُتَّقِينَ المتحفظين نفوسهم عن مقتضيات قهرنا وجلالنا

وَإِنَّا لَنَعْلَمُ بحسب علمنا الحضوري أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ للقرآن ولمن انزل اليه ايها المنكرون المسرفون فنجازيكم على مقتضى تكذيبكم

وَبالجملة إِنَّهُ اى القرآن لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ في الدنيا والآخرة يتحسرون في الدنيا من نزوله على المؤمنين وان كانوا لا يظهرونه ويتحسرون ايضا في الآخرة بترتب الثواب على من صدقه وآمن به وهم حينئذ يتحسرون ويتندمون على عدم الايمان والتصديق به

وَكيف لا يكون القرآن تذكرة وسبب حسرة عظيمة وندامة بليغة على اهل الإنكار والتكذيب إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فائض نازل من الحق على من وصل الى مرتبة اليقين الحقي مترقيا من اليقين العلمي والعيني

فَسَبِّحْ يا أكمل من وصل الى مرتبة اليقين الحقي بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ الذي رباك على الخلق العظيم وأوصلك الى روضة الرضا وجنة التسليم بلطفه العميم

[خاتمة سورة الحاقة]

عليك ايها الموحد المتحقق بمرتبة حق اليقين مكنك الله فيها عن تذبذب وتلوين ان تتأمل في مرموزات القرآن وتتدبر في كشف السرائر المودوعة فيه بقلب خال عن مطلق الوساوس والأوهام صاف عن جميع الكدورات الحاصلة من تقليدات ذوى الأحلام الحائضين فيه بمقتضى الآراء والافهام الركيكة بلا تأييد من جانب العليم العلام القدوس السلام فلك ان تتوجه نحوه بقلب فارغ عن عموم الاشغال مائل عن مطلق الزيغ والضلال الواقع فيه من اصحاب الظواهر القانعين منه بالقيل والقال حسب تفاهم عرفهم ومقتضى فهمهم وإياك إياك ان تكتفى بمجرد منطوقات الألفاظ وتقتصر عليها بلا خوض في تيار بحاره الزخارات التي هي مملوة بدرر المعارف ولآلى الحقائق الموصلة الى مرتبة حق اليقين وإذا خضت وغصت فيه على الوجه المذكور واستخرجت من درر فرائده بقدر حوصلتك واستعدادك حق لك ان تقول حينئذ انه لحق اليقين وان تكون مرجعا للخطاب الإلهي بقوله فسبح باسم ربك العظيم

<<  <  ج: ص:  >  >>