للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرفها الله خصها بالإضافة للتعظيم والا فهو رب عموم البلاد والأماكن الَّذِي حَرَّمَها اى حرم في هذه البلدة من الأمور التي قد أباحها في غيرها من البلاد وَلَهُ سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خلقه وملكه والتصرف فيه كيف يشاء ويريد بلا منازع ومخاصم وَبالجملة أُمِرْتُ من عنده سبحانه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين لأحكامه سبحانه الممتثلين بأوامره ونواهيه بلا التفات الى ايمان احد وكفره وهدايته وضلاله

وَايضا قد أمرت أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ المنزل على من عند ربي وداوم على تلاوته بين اظهر الأنام لأنه اوحى للهدى والرشد بالنسبة الى عموم العباد فَمَنِ اهْتَدى به بعد ما سمعه وتأمل معناه وامتثل بمقتضاه فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ونفع هدايته عائد إليها مفيد لها وَمَنْ ضَلَّ واعرض عنه بعد ما سمع واستكبر وكذب فَقُلْ بمقتضى أمرنا ووحينا إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ اى امرى منحصر بالإنذار والتخويف كسائر الرسل المنذرين فالهداية والضلال انما هو مفوض الى الكبير المتعال وبعد ما قد أمرني ربي بهذه المأمورات المذكورة قد أمرني ايضا بتجديد التحميد على تبليغ ما اوحى الى به بقوله

وَقُلِ يا أكمل الرسل بعد ما قد تلوت عليهم ما تلونا عليك الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما علمني ربي من الحقائق والمعارف وشرفني بأنواع المكاشفات والمشاهدات ويسر على تبليغ ما اوحى الى وأمرني بتبليغه الى قاطبة الأنام وان اعرضوا عن قبول ما قد بلغت لهم من مصالح دينهم في النشأة الاولى والاخرى قل لهم على سبيل التهديد سَيُرِيكُمْ سبحانه في النشأة الاخرى عند قيام الساعة الموعودة صدق آياتِهِ الدالة على عظمة ذاته المثبتة لعموم مواعيده ووعيداته فَتَعْرِفُونَها حينئذ وتسمعونها سمع قبول ورضا ولا يجديكم قبولها حينئذ نفعا وفائدة إذ قد مضى وقت الإرشاد والامتثال بها والعمل بمقتضاها وَبعد ما قد بلغت لهم يا أكمل الرسل ما بلغت لا تبال باعراضهم وانكارهم إذ ما رَبُّكَ المطلع على عموم السرائر والخفايا بِغافِلٍ غائب ذاهل عَمَّا تَعْمَلُونَ من الرد والقبول سيما بعد ما سمعوا منك وفهموا معناه يجازيهم بمقتضى اطلاعه وعلمه وخبرته. ربنا اشرح لنا صدورنا بتأمل آياتك المنزلة من عندك ويسر لنا أمورنا بان نمتثل بمقتضاها بفضلك وجودك.

[خاتمة سورة النمل]

عليك ايها المحمدي المواظب على تلاوة كتاب الله الملازم للاسترشاد والاستهداء منه ان تلاحظ أولا منطوقات الألفاظ المفردة ثم مفهومات الكلام المركب منها ثم التأمل والتدبر في رعاية المطابقة بمقتضيات الأحوال المورد لأجلها ثم التعمق في الاساليب والأغراض المصوغ المسوق لها الكلام ثم سرائر الأوامر والنواهي الموردة فيه ورموز العبر والأمثال المشتمل عليها الكلام ثم الحكم والمصالح الباعثة لا يراد الكلام على وجهها ثم التفطن والتنبه من النظم المتلو المقرو على المعارف والحقائق والتجليات والمكاشفات والمشاهدات التي هي العلل الغائية لإنشائه والأسرار الباعثة لنظم كلماته وتأليف حروفه وعليك ايها الفطن اللبيب الخبير ان تدرك ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا الى سبعة ابطن على ما نطق به الحديث الصحيح صلوات الله على قائله وسلامه وإياك إياك ان تقنع منه بألفاظه ومنطوقاته التي تعرفها عوام العرب او تقنع عنه بمجرد الخواص والمزايا التي تعرفها ارباب اللسن منهم بل لك ان تلاحظ على الوجه المذكور الى ان يصير علمك المتعلق به لدنيا ذوقيا حاليا شهوديا وجدانيا شوقيا حضوريا بحيث تسمعه أنت من قلبك وتفهمه أنت منك بقلبك بلا وسائل الألفاظ والحروف الجارية على لسانك إذ الألفاظ والحروف انما هي من جملة القشور الكثيفة والحجب الغليظة

<<  <  ج: ص:  >  >>