للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانفلق البحر وافترق فرقا وتشعب شعبا كثيرة فمر موسى وأصحابه سالمين فلقى فرعون على الفور فرآى البحر مفترقا فاقتحموا مغرورين فأغرقناهم أجمعين بعد ما قد أمرنا البحر بالخلط والاجتماع على ما كان عليه

وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ اى بعد انقراض فرعون وانقضائه لِبَنِي إِسْرائِيلَ على سبيل التوصية والتذكير في كتابنا المنزل عليهم وهو التوراة اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد فرعون ان يستفزكم منها بالقهر والغلبة آمنين مؤمنين صالحين مصلحين عموم مفاسدكم بما أرسل إليكم وانزل عليكم عاملين حسب أوامرنا ونواهينا المنزلة إليكم في كتابكم فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وقيام الساعة قد جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ملتفين مختلطين سعداءكم مع أشقيائكم فنميز بينكم وندخلكم منزل الشقاوة والسعادة المعد لكلا الفريقين.

ثم قال سبحانه في حق القرآن ونزوله وعظم قدر من انزل اليه وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ اى ما أنزلنا القرآن الا ملتبسا بالحق المطابق للواقع بلا عروض الباطل عليه أصلا وَكذا بِالْحَقِّ نَزَلَ

اى عموم ما نزل فيه من الاحكام والأوامر والنواهي والعبر والأمثال والرموز والإشارات والمعارف والحقائق كلها قد نزل بالحق الصريح الثابت الخالص عن توهم الباطل مطلقا وَايضا ما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل على كافة البرايا وعامة الأمم إِلَّا مُبَشِّراً بالحق للمؤمن المطيع بأنواع الخيرات واللذات الروحانية المعنوية وَنَذِيراً ايضا بالحق للكافر الجاحد عن انواع العذاب والعقاب الجسمانية والروحانية

وَبالجملة ما أرسلناك عليهم الا لتكون داعيا لهم الى التوحيد والعرفان تاليا لهم قارئا عليهم قُرْآناً فرقانا بين الحق والباطل والهداية والضلال لذلك فَرَقْناهُ اى قد فرقنا انزاله عليك حيث أنزلناه إليك مفرقا منجما لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ لدى الحاجة عَلى مُكْثٍ مهل وتؤدة فإنها أسهل وأيسر للحفظ والفهم من سائر الكتب الإلهية وَايضا قد نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا تدريجيا على حسب الوقائع ومقتضى الازمنة والموارد في عرض عشرين سنة

قُلْ يا أكمل الرسل للطاعنين في القرآن المائلين عن حقيته وصدقه جهلا وعنادا على سبيل التهديد والتوبيخ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا اى سواء منكم الايمان بالقرآن وعدم الايمان به لأنكم جهلاء عما فيه من الحقائق والمعارف غفلاء عن الرموز والإشارات المودعة فيه فتصديقكم وتكذيبكم إياه لا يجدي له نفعا ولا يورث ضرا وانما العبرة لذوي الخبرة إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من لدن حكيم عليم بحقية القرآن وبحقية ما فيه وكذا بما في عموم الكتب الإلهية ألا وهم الأنبياء والأولياء المجبولون على فطرة التوحيد والعرفان قد كانوا يؤمنون ويصدقون به مِنْ قَبْلِهِ اى قبل نزوله وبعد نزوله لذلك إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ ويقرأ عندهم يَخِرُّونَ ويسقطون لِلْأَذْقانِ سُجَّداً متذللين واضعين جباههم وأذقانهم على تراب المذلة والهوان تعظيما لأمر الله وشكرا له لإنجاز وعده

وَيَقُولُونَ في حين سجوده منزهين مسبحين سُبْحانَ رَبِّنا وتعالى من ان يأتى منه الخلف فيما عهد علينا او عن ان يعجز عن إتيان ما وعدنا واوعدنا به إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا اى انه قد كان وعد ربنا الذي وعدنا به في الكتب السالفة من إرسال رسول متصف بأوصاف مخصوصة معه كتاب جامع لما في الكتب السالفة ناسخ لها خاتم للرسالة العامة والتشريع الشامل لذلك صار دينه ناسخا لجميع الأديان فقد أنجز سبحانه وعده بإرسال هذا النبي الأمي الموعود

وَيَخِرُّونَ ايضا العالمون العارفون بحقانية القرآن بعد تأملهم وتوغلهم في حكمه وأحكامه وحقائقه ومعارفه لِلْأَذْقانِ حال كونهم يَبْكُونَ من خشية الله وَبالجملة ما

<<  <  ج: ص:  >  >>