للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشد منها وأفزع

وَبالجملة مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ ولم يؤمن به سبحانه وبجميع ما جاء به الداعي من عنده بل كذب الداعي من عنده وأنكر دعوته ولم يقبل منه فَلَيْسَ هو اى المنكر بِمُعْجِزٍ لله فِي الْأَرْضِ حتى يهرب عن انتقامه سبحانه ويفر من غضبه من مكان الى مكان او يستر عنه سبحانه ويخفى نفسه في اقطار الأرض بل له سبحانه الاحاطة والاستيلاء بعموم الأمكنة والأنحاء علما وعينا شهودا وحضورا وَلَيْسَ لَهُ اى للمنكر والمعاند مِنْ دُونِهِ سبحانه أَوْلِياءُ يوالونه وينقذونه من غضب الله وعذابه بعد ما قد حل عليه ونزل وبالجملة أُولئِكَ المنكرون المكابرون الذين لا يجيبون داعي الله ولا يقبلون منه دعوته عنادا ومكابرة فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية ظاهرة يجازيهم سبحانه حسب ما صدر عنهم من الغي والضلال. ثم أشار سبحانه الى توبيخ منكري الحشر والنشر واعادة الموتى احياء وتقريعهم فقال مستفهما على سبيل التبكيت والإلزام

أَوَلَمْ يَرَوْا يعنى أيشكون ويترددون أولئك الشاكون المترددون في قدرة الله على اعادة المعدوم ونشر الأموات احياء من قبورهم وحشرهم نحو المحشر للحساب والجزاء ولم يعلموا أَنَّ اللَّهَ العليم الحكيم القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَ اظهر وأوجد السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى العلويات والسفليات خلقا إبداعيا اختراعيا من كتم العدم وَمع ذلك لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ اى لم يفتر بإظهارهن ابتداء مع غاية عظمتهن وسعتهن بِقادِرٍ يعنى أليس القادر المقتدر على الإبداع والاختراع والإبداء بقادر عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ويعيدهم احياء بعد ما أماتهم بَلى إِنَّهُ سبحانه عَلى كُلِّ شَيْءٍ دخل في حيطة علمه وارادته قَدِيرٌ بلا فتور ولا قصور

وَاذكر يا أكمل الرسل لمنكر الحشر يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالبعث والجزاء عَلَى النَّارِ المعدة لتعذيبهم فيقال لهم حينئذ تفضيحا وتهويلا وتوبيخا وتقريعا أَلَيْسَ هذا العذاب الذي أنتم فيه الآن وقد كذبتم به من قبل في نشأة الاختبار بِالْحَقِّ قالُوا متأسفين متحسرين بَلى هو الحق وَحق رَبِّنا الذي ربانا على فطرة الإسلام وأنذرنا عن إتيان هذا العذاب في هذه الأيام فكفرنا نحن به ظلما وزورا وأنكرنا عليه عنادا ومكابرة وبعد ما اعترفوا وندموا في وقت لا ينفعهم الندم والاعتراف قالَ لهم قائل من قبل الحق فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ إذ لم يفدكم اعترافكم هذا بعد ما انقضى نشأة التدارك والتلافي وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل حال الكفرة السفلة الجهلة المصرين على العتو والعناد وعاقبة أمرهم

فَاصْبِرْ أنت يا أكمل الرسل على أعباء الرسالة ومتاعب التبليغ والإرشاد وعلى اذيات اصحاب الزيغ والضلال كَما صَبَرَ عليها وعلى أمثالها أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ العازمين عليها وعلى تبليغها بالعزيمة الخالصة الثابتة والثبات الدائم ليبينوا للناس طريق التوحيد ويرشدوهم الى سبيل الاستقامة والرشد وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ اى للمعاندين من قريش بحلول العذاب الموعود عليهم فانه سينزل عليهم حتما عند حلول وقته حتى كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ من العذاب من نهاية شدته وكثرة هوله وغاية طول يومه تذكروا واستحضروا في أنفسهم فجزموا انهم لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا إِلَّا ساعَةً واحدة فقط مِنْ نَهارٍ يعنى هم قد استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وقاسوها في طول يوم القيامة وخيلوها ساعة بل اقصر منها هذا الذي ذكر من المواعظ والتذكيرات في هذه السورة بَلاغٌ كاف لأهل الهداية والإرشاد ان اتعظوا بها وتذكروا منها وان لم يتعظوا بها هلكوا في تيه الجهل والجحود وبيداء الغفلة والغواية

<<  <  ج: ص:  >  >>