للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَذابُ المتفرع عليها أصلا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ وينتظرون تخفيفه

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا منهم في النشأة الاولى مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الارتداد والضلال وَأَصْلَحُوا أحوالهم بالتوبة والإخلاص والاستغفار والندامة عما صدر منهم فَإِنَّ اللَّهَ الموفق لهم على التوبة غَفُورٌ يستر جرائمهم رَحِيمٌ مشفق يتجاوز عن زلاتهم

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى ارتدوا العياذ بالله سيما بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ لم يتوبوا اى لم يرجعوا ولم يتندموا بل ازْدادُوا كُفْراً اى إصرارا واستكبارا لَنْ تُقْبَلَ منهم تَوْبَتُهُمْ ابدا بعد ما عاندوا وَأُولئِكَ المعاندون المصرون هُمُ الضَّالُّونَ المقصورون على الضلالة في بيداء الفطرة لا يرجى منهم الفلاح أصلا

بل إِنَّ المسرفين المصرين الَّذِينَ كَفَرُوا في مدة اعمارهم وَماتُوا وَالحال انه هُمْ كُفَّارٌ كما كانوا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ اى لن تقبل توبتهم عند الله وان أنفق وافتدى كل واحد منهم ملء الأرض ذهبا رجاء ان تقبل توبته بل أُولئِكَ الهالكون في تيه الضلال لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم دائما مستمرا وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ من انواع النصر لا من الانفاق ولا من الشفاعة ولا من العمل الصالح والحج المبرور ولا غير ذلك ثم لما سجل سبحانه عليهم العذاب بحيث لا يخفف عنهم أصلا ولا يقبل توبتهم ابدا وان أنفق كل منهم ملء الأرض ذهبا نبه على المؤمنين طريق الانفاق المستحسن المقبول وخاطبهم على وجه التأكيد والمبالغة

حيث قال لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ اى لن تصلوا ولن تبلغوا ايها المؤمنون مرتبة الأبرار الخيرين عند الله مطلقا حَتَّى تُنْفِقُوا امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته مِمَّا تُحِبُّونَ اى من احسن ما عندكم وأكرمه وَاعلموا ان ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ ولو حبة وذرة وكلمة طيبة خالصا لرضا الله بلا شوب المنة والأذى فَإِنَّ اللَّهَ المطلع لجميع أحوالكم ونياتكم بِهِ عَلِيمٌ لا يغيب عن علمه شيء فيجازيكم على مقتضى علمه ثم لما ادعى اليهود ان ما حرم في ديننا قد كان حراما في دين ابراهيم وملته فلم تحلون أنتم ايها المدعون متابعته ما حرم في دينه

رد الله عليهم وكذبهم بقوله كُلُّ الطَّعامِ الذي يقتات به الإنسان ويتغذى قد كانَ حِلًّا مباحا حلالا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إذ الأصل في الأشياء الحل ما لم يرد الشرع بتحريمه إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ وهو يعقوب عليه السّلام عَلى نَفْسِهِ على وجه النذر بلا ورود الوحى إذ كان له عرق النسا فنذر ان شفى لم يأكل ما هو أحب الطعام والذه عنده وهو لبن الإبل ولحمه فشفى ولم يأكل بعده منهما وذلك مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ ثم لما ظهر انواع الخبائث والقبائح من اليهود حرم الله عليهم في التورية طيبات أحلت لهم قبلها بسبب خباثتهم وكثافتهم فان أنكروا على هذا وقالوا لسنا أول من حرم عليه هذه الأشياء المحرمة فيها بل قد حرم لمن قبلنا ونحن نقتدي بهم قُلْ لهم يا أكمل الرسل إلزاما فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها على رؤس الاشهاد إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم والا فقد افتريتم على كتاب الله ما ليس فيه

فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ

ظهور ذلِكَ

البرهان فَأُولئِكَ

المفترون المنهمكون في العتو والعناد هُمُ الظَّالِمُونَ

الخارجون عن مسالك التوحيد المتمردون عن ربقة الايمان

قُلْ لهم يا أكمل الرسل امحاضا للنصح صَدَقَ اللَّهُ المطلع بجميع ما كان ويكون ان لا حرمة لهذه الأشياء في دين ابراهيم عليه السّلام بل أول من حرم عليهم أنتم ايها اليهود وان أردتم استحلالها فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ التي هي الإسلام المنزل على خير الأنام لأنه كان حَنِيفاً طاهرا عن عموم الخبائث والرذائل المؤدية الى تحريم الطيبات

<<  <  ج: ص:  >  >>