للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْهارُ لاجرائهم انهار المعارف والحقائق على أراضي استعداداتهم لا نبات ثمرات الكشوف والشهود أُكُلُها من الرزق المعنوي والاغذية الروحانية دائِمٌ غير منقطع وَكذا ظِلُّها الذي يستريحون فيه دائم غير زائل بحيث لا انقطاع له أصلا كاظلال الدنيا تِلْكَ الجنة التي قد وصفت بما وصفت عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا اى عاقبة امر المؤمنين الذين اتقوا عن محارم الله وَعُقْبَى الْكافِرِينَ المصرين على ارتكاب المعاصي والشهوات البهيمية النَّارُ المعدة لهم بدل لذاتهم وشهواتهم الحسية.

ثم قال سبحانه وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ واتبعناهم النبي المبين لهم ما فيه من الأوامر والنواهي يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ اى بكتابك الجامع لما في كتبهم لأنهم يجدونه موافقا مطابقا لكتبهم وَمِنَ الْأَحْزابِ اى من هؤلاء المتحزبين في امر القرآن مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ اى الآيات الناسخة لبعض احكام كتبهم قُلْ لهم انما نسخ ما نسخ من الاحكام الجزئية بمقتضى سنة الله في نسخ بعض الاحكام الجزئية الثابتة في الكتب السابقة باحكام الكتب اللاحقة وليس هذا منا ببدع واما العقائد الكلية المصونة عن طريان النسخ والتبديل فهي المتفق عليها بين جميع الكتب السماوية المنزلة على جماهير الأنبياء لذلك إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ الواحد الأحد الصمد الفرد الحقيق بالحقية المستقل في الألوهية والربوبية وَلا أُشْرِكَ بِهِ شيأ من اظلاله ومصنوعاته بمقتضى امره وحكمه سبحانه إِلَيْهِ لا الى غيره من الاظلال الهالكة في اشراق شمس ذاته أَدْعُوا دعاء مؤمل متضرع خاضع خاشع وَكيف لا ادعوه واتحنن نحوه وإِلَيْهِ مَآبِ منقلبي ومرجعي رجوع الظل الى ذي الظل

وَكَذلِكَ اى مثل انزالنا للأمم الماضية كتابا بعد كتاب ناسخا لبعض ما فيه على مقتضى الأزمان والأقوام كذلك أَنْزَلْناهُ اى القرآن إليك يا أكمل الرسل حُكْماً مبينا للقضايا بمقتضى الحكمة المتقنة عَرَبِيًّا مناسبا بلسانك ولسان قومك ليسهل لهم الاسترشاد والاستهداء به ناسخا لبعض ما في الكتب السالفة وَالله لَئِنِ اتَّبَعْتَ أنت بنفسك أَهْواءَهُمْ وان كانت قبل النسخ هدى سيما بَعْدَ ما جاءَكَ في كتابك مِنَ الْعِلْمِ المتعلق بنسخها وبصيرورتها بعد النسخ هوى ما لَكَ مِنَ اللَّهِ اى من غضبه وانتقامه عنك مِنْ وَلِيٍّ يتولى أمرك بالاستخلاص والاستشفاع وَلا واقٍ حافظ يحفظك ويمنعك من مقته.

ثم قال سبحانه وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مثلك مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً مثل أولادك وأزواجك فلا تقدح في نبوتهم أزواجهم وأولادهم فكيف تقدح في نبوتك مع انك أفضل منهم وَايضا قد أرسلنا رسلا من قبلك ما كانَ وما صح وما جاز لِرَسُولٍ منهم أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ مقترحة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ووحيه إذ لِكُلِّ أَجَلٍ ووقت يسع فيه امر من الأمور الكائنة والفاسدة كِتابٌ نازل من عنده سبحانه ناطق بوقوع عموم ما كان ويكون فيه

وبالجملة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وينسخه بمقتضى حكمته وارادته وَيُثْبِتُ ما أراد إثباته وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ اى حضرة العلم المحيط ولوح محفوظ القضاء وحضرة القدر المتوالية المتتالية على مقتضى الأوصاف الذاتية الإلهية والتجليات اللطفية والقهرية والجلالية والجمالية

وَبالجملة لا تفرح يا أكمل الرسل إِنْ ما نُرِيَنَّكَ اى ان تحقق اراءتنا إياك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من الإهلاك والاجلاء والقهر والغلبة أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ يعنى لا تغتم ايضا ان تحقق توفينا لك قبل رؤيتك بما نعدهم من العذاب والنكال فَإِنَّما عَلَيْكَ وليس في وسعك وطاقتك الا الْبَلاغُ بما أمرت بتبليغه وَعَلَيْنَا الْحِسابُ والجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>