للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقبل دينه بَلْ الأمر كذلك وشأنه هكذا بلا شك وتردد وبالجملة ما نَحْنُ بمشاهدة هذا الفتح والعروج الغير المعهود الا قَوْمٌ مَسْحُورُونَ مخبوطون مخبطون البتة قد لبس علينا الأمر هذا الشخص بالسحر والشعبذة.

ثم قال سبحانه امتنانا لعباده بتهيئة اسباب معاشهم وَلَقَدْ جَعَلْنا وقدرنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً اثنى عشر تدور وتبدل فيها الشمس في كل سنة شتاء وصيفا ربيعا وخريفا والقمر في كل شهر تتميما لأسباب معاشكم وتنضيجا لأقواتكم واثماركم وَمع ذلك زَيَّنَّاها وحسنا نظمها وترتيبها وهيئاتها وأشكالها لِلنَّاظِرِينَ المتأملين في كيفية حركتها ودوراتها وانقلاباتها ليستدلوا بها على قدرة مبدعها ومتانة حكمة صانعها وحكم مخترعها الى ان ينكشفوا بوحدة المظهر الموجد ورجوع الكل اليه

وَمع ذلك قد حَفِظْناها مِنْ اطلاع كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ على ما فيها من السرائر والحكم المودعة

إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ واختلس من الشياطين السَّمْعَ والاستطلاع من سكان السموات وتكلف في الصعود والرقى نحوها فَأَتْبَعَهُ من قهر الله إياه شِهابٌ جذوتنا على مثال كوكب مُبِينٌ بين ظاهر عند اولى الأبصار زجرا له ومنعا عن الاستطلاع بالسرائر

وَالْأَرْضَ ايضا قد مَدَدْناها مهدناها وبسطناها وَقد أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ شامخات لتقريرها وتثبيتها ولتكون مقرا للمياه والعيون ومعدنا للجواهر والفلزات وَبالجملة قد أَنْبَتْنا فِيها اى في الأرض مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ مطبوع ملائم تستحسنه الطباع وتستلذ به

وَانما جَعَلْنا وخلقنا كل ذلك اى العلويات والسفليات ليحصل لَكُمْ فِيها مَعايِشَ تعيشون بها وتقومون امزجتكم منها لتتمكنوا على سلوك طريق التوحيد والعرفان الذي هو سبب ايجادكم والباعث على اظهاركم إذ ما خلقتم وما جبلتم الا لأجله وَايضا قد جعلنا فيها معايش مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ لذرياتكم من اخلافكم وأولادكم وان كنتم تظنون انكم رازقون لهم ظنا كاذبا بل رزقكم ورزقهم وكذا رزق عموم من في حيطة الوجود علينا

وَكيف لا يكون رزق الكل علينا إِنْ مِنْ شَيْءٍ وما من رطب ويابس ولا نقير ولا قطمير مما يطلق عليه اسم الشيء إِلَّا عِنْدَنا وفي حيطة قدرتنا وحوزة مشيتنا خَزائِنُهُ اى مخزونات كل شيء ومخازنه عندنا وفي قبضة قدرتنا وتحت ضبطنا وارادتنا بحيث لا ينتهى قدرتنا دون مقدور ولا تفتر عنه بل لنا القدرة الغالبة بإيجاد الخزائن من كل شيء وَلكن قد اقتضت حكمتنا المتقنة انا ما نُنَزِّلُهُ وما نظهره إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ عندنا مخزون في حيطة حصرة علمنا المحيط ولوح قضائنا المحفوظ وأجل مقدر معين لدينا لا اطلاع لاحد عليه

وَمن بدائع حكمتنا وعجائب صنعتنا انا قد أَرْسَلْنَا من مقام فضلنا وجودنا الرِّياحَ الهابة في فصل الربيع وجعلناها لَواقِحَ ملقحات يعنى يجعل الأشجار حوامل بالأثمار فَأَنْزَلْنا بعد صيرورتها حوامل مِنَ السَّماءِ ماءً مدرارا مغزارا تتميما لتربيتها وتنميتها فَأَسْقَيْناكُمُوهُ والحوامل به الى وقت الصلاح والحصاد وَبالجملة ما أَنْتُمْ لَهُ اى للماء بِخازِنِينَ حافظين حارسين وليس في وسعكم وطاقتكم حرزه وحفظه في الغدائر والحياض وكذا القاح الأشجار وإنباتها وإصلاحها وجميع ما يحتاج اليه إذ ليس عندكم خزائن كل شيء

وَايضا عن غرائب مبدعاتنا إِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونظهر بمقتضى اوصافنا اللطفية البسيطة وَنُمِيتُ ونعدم حسب اوصافنا القهرية القبضية وَبالجملة نَحْنُ الْوارِثُونَ الدائمون الباقون بعد انقهار عموم المظاهر وفنائها

<<  <  ج: ص:  >  >>