المستحق لانواع العبودية والتعظيم وَقاراً توقيرا وتبجيلا لائقا لجلاله وجماله وحسن فعاله معكم
وَالحال انه سبحانه قَدْ خَلَقَكُمْ أوجدكم وأظهركم أَطْواراً مختلفة مترقية في الكمال حيث قدر خلقكم أولا من جمادات العناصر ثم ركبكم الى ان صرتم من اغذية الإنسان ثم صيركم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا عجيبا قابلا للخلافة والنيابة ثم بعد ذلك يوصلكم في النشأة الاخرى الى ما يوصلكم وبالجملة فبأى آلاء ربكم تكذبون ايها المكذبون المنكرون مع انه قد وسع عليكم من زوائد النعم وموائد الكرم ما لا مزيد عليه من كمال قدرته ومتانة حكمته
أَلَمْ تَرَوْا ايها الراؤن المعتبرون المجبولون على فطرة الفكرة والعبرة كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ بقدرته الكاملة سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مطبقات بعضها في جوف بعض الى حيث ينتهى الكل الى كرة واحدة قد وقعت مظهرا للوحدة الذاتية الإلهية وان كانت كل ذرة من ذرائر الكائنات مستقلة في مظهرية الوحدة الذاتية
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ اى في خلال السموات نُوراً مقتبسا من شمس الذات وَبالجملة قد جَعَلَ الشَّمْسَ المشرقة المنيرة سِراجاً واضحا وهاجا ودليلا لائحا على شروق شمس الذات الإلهية ولمعانها على مظاهر عموم الذرات المنعكسة منها وعلى انقهار الكل وانطوائها فيها بحسب الظهور والبطون
وَبالجملة اللَّهُ المتعزز برداء العظمة والكبرياء قد أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ اليابسة نَباتاً اى أنبتكم من الأرض إنباتا إبداعيا وصيركم أنواعا وأصنافا أولا من النبات ورباكم الى ان صرتم ثانيا حيوانا ثم إنسانا قابلا للمعرفة والايمان ثم كلفكم بما كلفكم من التكاليف الشاقة لترتقوا من رتبة البشرية الى مرتبة الخلافة والنيابة الإلهية وتفوزوا بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
ثُمَّ بعد حلول الأجل المقدر يُعِيدُكُمْ فِيها اى في الأرض مقبورين وَيُخْرِجُكُمْ بعد ذلك منها الى المحشر إِخْراجاً عاديا في النشأة الاخرى لتنقيد ما كلفكم الحق عليه في النشأة الاولى من الأعمال والأخلاق ولترتيب الجزاء عليه تتميما للحكمة المتقنة البالغة وتكميلا لها
وَبالجملة اذكروا آلاء الله المترادفة عليكم واشكروا لها إذ اللَّهُ القادر المقتدر الحكيم المدبر قد جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ممهدة تتقلبون عليها وتترددون فيها
لِتَسْلُكُوا وتتخذوا مِنْها حيث شئتم سُبُلًا فِجاجاً اى طرقا واسعة متسعة فبأى آلاء ربكم ونعمائه تنكرون وتكذبون ايها المكافرون المكذبون وبالجملة كلما قد بالغ نوح عليه السلام في إرشادهم ودعوتهم فهم ايضا قد بالغوا في العناد والإصرار وبعد الاضطرار
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي في عموم ما بلغت لهم وامرتهم به وبالجملة قد انصرفوا عنى واعرضوا عن دعوتي واستهزءوا بي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً اى اتبعوا سادتهم ورؤساءهم المعروفين المشهورين بينهم بكثرة الأموال والأولاد الموجبة للثروة والوجاهة عند الناس وان كان أموالهم وأولادهم لم يزدهم الا خسارا وبوارا في النشأة الاخرى
وَبالجملة قد مَكَرُوا لهم اى لضعفاء الناس أولئك الرؤساء الماكرون مَكْراً كُبَّاراً قد بلغ غاية كبره ونهاية شدته في التلبيس والتغرير وذلك احتيالهم على الناس الى حيث لم يقبلوا دعوة نوح عليه السلام مع كونه مؤيدا بأنواع المعجزات بل سفهوه متمسخرين به
وَقالُوا اى قال رؤساؤهم لضعفائهم وعوامهم في نصحهم وتذكيرهم إياهم لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ اى عبادتها أصلا سيما بقول هذا السفيه الطريد المختبط المختل الرأى والعقل وَلا تَذَرُنَّ ولا تتركن