للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قرى الموصل

فَآمَنُوا له وقبلوا منه دعوته بعد ان أرسل إليهم ثانيا فَمَتَّعْناهُمْ مؤمنين مصدقين موحدين إِلى حِينٍ اى الى انقضاء آجالهم ثم لما اثبت مشركوا مكة خذلهم الله المنزه عن مطلق الأشباه والأنداد ولدا بل أوضع الأولاد وأدناها وهي الأنثى ونسبوا الملائكة الذين هم من اشرف المخلوقات وأكرمها المنزهون عن لوازم الأجسام مطلقا الى الأنوثة التي هي من أخسها وأدونها وهم ابعد بمراحل عنها حيث قالوا ان الملائكة بنات الله ولم يكن له ابن وتمادوا على هذا الى حيث اتخذوا هذه العقيدة مذهبا وبالغوا في ترويجه رد الله عليهم على ابلغ وجه وآكده حيث امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالاستفتاء والاستفسار عن قولهم هذا ونسبتهم هذه فقال

فَاسْتَفْتِهِمْ وسلهم اى كفار مكة يا أكمل الرسل واستخبرهم على سبيل التوبيخ والتقريع أَيثبتون لِرَبِّكَ الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد الْبَناتُ اى أوضع الأولاد وأردئها وَلَهُمُ الْبَنُونَ اى لأنفسهم أكرمها وأحسنها تعالى سبحانه عما يقولون

أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ اى أيظنون ويعتقدون انا قد خلقنا الملائكة الذين هم من سدنة سدتنا السنية وخدمة عتبتنا العلية إِناثاً وَهُمْ حين خلقناهم شاهِدُونَ حاضرون ليشهدوا انوثتهم ويبصروها مع انها لا مجال للعقل الى الاطلاع بانوثتهم ولم ينقل منا احد من الرسل والأنبياء هذا مع ان الحواس الاخر معزولة عن دركها مطلقا سوى البصر ومن اين يتأتى لهم الحضور معهم حتى يبصروا انوثتهم. ثم قال سبحانه على سبيل التنبيه والاستبعاد

أَلا اى تنبهوا ايها المؤمنون الموقنون بوحدة الله وبوجوب وجوده وتقدسه عن لوازم الإمكان مطلقا إِنَّهُمْ اى أولئك الضالين المغمورين في الجهل والطغيان مِنْ غاية إِفْكِهِمْ ونهاية غيهم وطغيانهم وعدوانهم لَيَقُولُونَ

وَلَدَ اللَّهُ الواحد الأحد المستغنى لذاته عن الأهل والولد قولا باطلا ظلما وزورا وَبالجملة إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في عموم ما يقولون وينسبون الى الله المنزه عن أمثاله مطلقا مقصورون على الكذب المحض بلا مستند عقلي او نقلي

أَصْطَفَى الْبَناتِ اى اتعتقدون ايها الجاهلون بقدر الله ووحدة ذاته المستغنية عن مطلق المظاهر والمجالى فكيف عن لوازم الحدوث والإمكان الذي هو من امارات الاستكمال والنقصان انه سبحانه مع كمال تعاليه وتقدسه قد اصطفى واختار لنفسه البنات المسترذلة الدنية عَلَى الْبَنِينَ الذين هم اشرف بالنسبة إليهن وأكمل خلقا وخلقا كمالا وعلما رشدا ويقينا

ما لَكُمْ اى ما شأنكم وما لحق بكم ايها المفسدون المفرطون كَيْفَ تَحْكُمُونَ على الله ما لا يرتضيه العقل ولا يقتضيه النقل

أَفَلا تَذَكَّرُونَ لا تتذكرون فانه سبحانه منزه عن اشرف الأولاد فكيف عن اردئها

أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ حجة وبرهان نقلي مُبِينٌ واضح لائح في الدلالة على مدعاكم هذا

فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ

النازل عليكم من قبل الحق المثبت لدعواكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

وَمن افراطهم في حق الله وجهلهم بكمال ذاته وصفاته وأسمائه قد جَعَلُوا واثبتوا بَيْنَهُ سبحانه وَبَيْنَ الْجِنَّةِ الذين هم مخلوقون من النار نَسَباً اى نسبة بالمصاهرة ويزعمون العياذ بالله انه سبحانه قد تزوج منهم امرأة فحصلت منها الملائكة وَالله لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ ايضا إِنَّهُمْ اى أولئك المفترين على الله بأمثال هذه المفتريات البعيدة عن جنابه سبحانه المستحيلة بذاته مراء وافتراء لَمُحْضَرُونَ في العذاب المخلد والنكال المؤبد بقولهم هذا ونسبتهم هذه وبالجملة

سُبْحانَ اللَّهِ وتقدس ذاته عَمَّا يَصِفُونَ به هؤلاء المهاندون الجاهلون

إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>