للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال كونكم مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ اى بالكتاب وبالأوامر والاحكام المندرجة فيه بحيث لا تذكرونه سامِراً ايضا وحاكيا به ليلا على ما هو عادتكم وسنتكم المستمرة بينكم إذ كنتم تسمرون حول البيت في خلال الليالى سيما في الأحاديث الحديثة والحكايات الجديدة بل تَهْجُرُونَ وتتركون السمر مطلقا حتى لا تسمعوا ذكر الآيات والكتاب أصلا فكيف الامتثال والتلذذ بما فيه من الأوامر والنواهي ومع استكباركم بنا وبآياتنا ورسلنا على ابلغ الوجوه وأشدها تستنصرون منا وتستغيثون إلينا.

ثم قال سبحانه على وجه التعيير والتقريع أَينكرون المشركون القرآن ويستكبرون به عنادا ومكابرة فَلَمْ يَدَّبَّرُوا ولم يتأملوا حق التأمل الْقَوْلَ المقبول المطبوع والمقول المعقول المسموع منه ولم يتفكروا في أسلوبه وترتيبه واتساق نظمه وتطابق كلماته ليظهر لهم اعجازه ويتضح لديهم فصاحته وبلاغته الخارجة عن طور العقل وطوق البشر كيلا يبادروا الى إنكاره وتكذيبه بل يصدقوه ويؤمنوا به وبمن جاء به أَمْ جاءَهُمْ يعنى بل يعلمون لو تأملوا في شأن القرآن انه قد جاءهم من الله كتاب كامل شامل هاد منقذ يخلصهم من العذاب الأخروي لو امتثلوا بما فيه من الأوامر والنواهي مع انه ما لَمْ يَأْتِ يعنى كتابهم هذا نور ظاهر باهر لم يأت مثله آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ

حتى تأملوا وتدبروا فيه وتخلصوا من العذاب النازل عليهم فهؤلاء الحمقى الهلكى المنهمكون في الغي والضلال يفوتون على أنفسهم الايمان به والهداية بامتثال ما فيه حتى يتيسر لهم الخلاص والنجاة

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ يعنى بل لم يعرفوا من شدة شكيمتهم وبغضهم علو شأن رسولهم وسمو برهانه وكمال عقله ورشده واعتدال أخلاقه وأطواره وايفائه العهود والأمانات حتى يصدقوه ويؤمنوا به بل فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ من غاية الجهل والعناد

أَمْ يَقُولُونَ وينسبون بِهِ جِنَّةٌ اختلال وخبط ومن اختلاله وخبطه قد ظهر منه أمثال هذه البدائع التي استحدثها من تخيلاته بَلْ قد جاءَهُمْ رسولهم بعموم ما جاء به ملتبسا بِالْحَقِّ الصريح والصدق السوى المطابق للواقع والوحى الإلهي وَلكن أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ لأنهم على الباطل مائلون والى مشتهيات نفوسهم آئلون

وَبالجملة لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ اى الوحى النازل من لدنه أَهْواءَهُمْ الباطلة وآراءهم الفاسدة لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ من ذوى الشعور والإدراك المتوجهين نحو الحق طوعا من شؤم أعمالهم وسوء أفعالهم وقبح أخلاقهم وأطوارهم لذلك ما آتيناهم وما أوحينا على رسولهم ما هو مشتهى نفوسهم ومقتضى اهوائهم بَلْ قد أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ وتذكيرهم وما يذكرهم به بل ليس الا ما هو الا صلح بحالهم والأليق بشأنهم من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والإنذار والتبشير والعبر والأمثال والقصص والآثار فَهُمْ من غاية عمههم وسكرتهم عَنْ ذِكْرِهِمْ المصلح بحالهم المنجى لنفوسهم من الوبال والنكال مُعْرِضُونَ منصرفون عنه عتوا واستكبارا

أَمْ تَسْأَلُهُمْ اى أيظنون ويعتقدون انك يا أكمل الرسل تطلب لأداء الرسالة وتبليغها عليهم خَرْجاً جعلا واجرا لذلك انصرفوا عنك وعن دينك وكتابك فَخَراجُ رَبِّكَ الذي رباك بأنواع النعم الصورية والمعنوية واجره لك بأعظم المثوبات وأعلى الدرجات خَيْرٌ لك من جعلهم وخرجهم وَان نسبوك الى الفقر والفاقة قل هُوَ سبحانه خَيْرُ الرَّازِقِينَ لو فرض رازق سواه مع انه لا رازق الا هو

وَبالجملة هم منحرفون في أنفسهم عن جادة العدالة وصراط التوحيد بحيث لا يفيدهم هدايتك وارشادك مطلقا إِنَّكَ بوحي الله إياك لَتَدْعُوهُمْ وتهديهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>