للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحارِبُونَ اللَّهَ العليم الحكيم ويقاتلون له بعدم امتثال امره وحكمه وانقياد شرعه وَرَسُولَهُ بتكذيبه وتكذيب ما جاء به من عند ربه والقتال معه ومع من تابعه وَمع ذلك يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يعنى يترددون في أقطارها مفسدين بأنواع الفسادات السارى ضررها في الآفاق أَنْ يُقَتَّلُوا حيث وجدوا دفعة أَوْ يُصَلَّبُوا حيا ليعتبر منهم من في قلبه مرض مثل مرضهم ثم يقتلوا على أفظع وجه واقبحه أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ متبادلتين ليعيشوا بين الناس كذلك لينزجر منهم نفوس اهل الاهوية الفاسدة أَوْ يُنْفَوْا ويخرجوا مِنَ الْأَرْضِ الى حيث يؤمن من شرورهم ذلِكَ المذكور من البغاة الطغاة المترددين بين الناس بالفساد لَهُمْ خِزْيٌ تدليل وتفضيح فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ اى طرد وتبعيد عن مرتبة اهل التوحيد

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ورجعوا الى الله عما كانوا عليه مخلصين نادمين خائفين من بطشه راجين من عفوه وجوده مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ اى غرماؤهم وتأخذوهم مطالبين القصاص عنهم فحينئذ يسقط عنهم حق الله بالتوبة ان أخلصوا فيها فَاعْلَمُوا ايها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ الموفق لهم على التوبة غَفُورٌ لهم يغفر ذنوبهم رَحِيمٌ لهم يقبل توبتهم

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم التقوى عن محارم الله اتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور عن ارتكاب ما حرم عليكم ونهاكم عنه وَابْتَغُوا واطلبوا منه سبحانه إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ المقربة لكم الى ذاته لتتوسلوا به الى توحيده وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لقطع العلائق ورفع الموانع مع القوى البشرية الشاغلة عن التوجه نحوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وتفوزون بفضاء توحيده وصفاء تجريده وتفريده. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعد بالوعيد

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدة الله وأصروا على ما هم عليه من الكفر والشقاق لَوْ أَنَّ لَهُمْ اى لو تحقق وثبت ان لهم وفي تصرفهم ملك ما فِي الْأَرْضِ من الزخارف والكنوز جَمِيعاً بل وَمِثْلَهُ مَعَهُ بل أضعاف أمثاله كل ذلك لِيَفْتَدُوا بِهِ ويخلصوا مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ونكاله المترتب على كفرهم المعد لهم بشركهم ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ لعظم جرمهم وإصرارهم عليه وَلَهُمْ فيها عَذابٌ أَلِيمٌ مؤلم مؤبد مخلد بحيث لا يرجى نجاتهم منه أصلا

يُرِيدُونَ متمنين أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَالحال انه ما هُمْ بِخارِجِينَ مخرجين مِنْها لاستحالة الخروج عن مقتضى الحكم المبرم الإلهي بل وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ دائم متجدد متلون لئلا يعتادوا بنوع منه

ثم قال سبحانه وَالسَّارِقُ المتجاوز عن حدود الله وَكذا السَّارِقَةُ المتجاوزة عنها فَاقْطَعُوا ايها الحكام أَيْدِيَهُما اى اليمين منهما ان اخرجا المسروق من الحزر المتعارف جَزاءً بِما كَسَبا معهما نَكالًا عقوبة وتعذيبا صادرا مِنَ اللَّهِ المنتقم الغيور لتصرفهم في ملك الغير بلا رخصة شرعية وَاللَّهُ المتصرف في ملكه وملكوته بكمال الاستيلاء والاستقلال عَزِيزٌ غالب قادر على انواع الانتقام حَكِيمٌ متقن في تقديره وتعيينه

فَمَنْ تابَ ورجع الى الله مخلصا خائفا مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وخروجه عن حدود الله وَأَصْلَحَ بالتوبة ما أفسد على نفسه من مجاوزة حكم الله فَإِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوال عباده يَتُوبُ عَلَيْهِ ويقبل منه توبته بعد ما وفقه عليها إِنَّ اللَّهَ الميسر لأمور عباده غَفُورٌ لذنوبهم رَحِيمٌ لهم بعد ما رجعوا اليه راجين عفوه

أَلَمْ تَعْلَمْ ايها الداعي للخلق الى الحق أَنَّ اللَّهَ المتوحد المستقل بالالوهية والتصرف لَهُ مُلْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>