للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببالهم وتخيلوا في خيالهم وكيف لا يوفقهم سبحانه على التوبة إِنَّهُ بِهِمْ عليم باستعداداتهم وقابلياتهم رَؤُفٌ عطوف عليهم يعفو عنهم عموم زلاتهم التي صدرت عنهم وقت الاضطرار رَحِيمٌ يقبل منهم عموم ما جاءوا به من الانابة والاستغفار

وَايضا قد تاب سبحانه ووفق عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا عن غزوة تبوك بلا عذر لهم وهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة بن ربيع وهم قد صاروا مضطرين مضطربين من عدم التفات رسول الله والمؤمنين إليهم سيما بعد امر الرسول على المؤمنين ان لا يتكلموا معهم خمسين ليلة حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ اى مع فسحتها ووسعتها بل وَقد صاروا من هجوم الأغراض النفسانية الى ان ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ واشتد عليهم الأمر وانسد دونهم أبواب التدابير مطلقا فاضطروا في أمرهم وشأنهم هذا والتجأوا نحو الحق مخلصين وَظَنُّوا لا بل كشفوا أَنْ لا مَلْجَأَ ولا مفر مِنَ اللَّهِ اى من غضبه وسخطه إِلَّا إِلَيْهِ إذ ليس لغيره وجود حتى يرجع اليه ويلتجأ نحوه لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم في أمثال هذه المضائق أعوذ بك منك ثُمَّ بعد ما أخلصوا في الانابة والرجوع وفوضوا أمورهم اليه سبحانه قد تابَ الله عَلَيْهِمُ اى أقدرهم ووفقهم على التوبة بل أمرهم في سرهم لِيَتُوبُوا ويرجعوا نحو الحق نادمين عما صدر عنهم من المخالفة فيغفر لهم ويعفو عن زلاتهم إِنَّ اللَّهَ المصلح الموفق لعباده هُوَ التَّوَّابُ الرجاع لعباده نحو جنابه حين صدر عنهم المعاصي الرَّحِيمُ لهم يرحمهم ويقبل توبتهم حين رجوعهم نحوه متضرعين مخلصين

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم التقوى عن محارم الله اتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور عن مخالفة امره وحكمه وَكُونُوا في السراء والضراء مَعَ الصَّادِقِينَ المصدقين لرسوله المتابعين له في عموم أموره

واعلموا انه ما كانَ وما صح وما جاز لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ يسكن فيما حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ المترددين في بواديها أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ حين خرج الى القتال واقتحم على الأعادي وَايضا لا يصح لهم ان يَرْغَبُوا ويميلوا بِأَنْفُسِهِمْ اى بحفظها وصيانتها عَنْ نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلّم بل يجب عليهم ان يفدوا نفوسهم ويبذلوا مهجهم وأموالهم وأولادهم وعموم ما يضاف إليهم وينسب نحوهم لصيانته وحفظه صلّى الله عليه وسلّم وحيث اقتحم صلّى الله عليه وسلّم فلهم المبادرة والمسابقة ذلِكَ اى ما وجب عليهم من تحمل المشاق والمتاعب والاسراع والاقتحام والاقدام عليها بِأَنَّهُمْ اى بسبب انهم متى خرج صلّى الله عليه وسلّم معهم وفي أظهرهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ عطش وَلا نَصَبٌ الم عناء من انواع الآلام وَلا مَخْمَصَةٌ ومجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ لإعلاء دينه وكلمة توحيده وَكذا لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً موضعا ولا يدوسون ولا يقطعون مسافة بحيث يَغِيظُ الْكُفَّارَ مرورهم عنها وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا من القتل والأسر والغلبة والنهب والغارة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عند الله عَمَلٌ صالِحٌ موجب للمثوبة العظمى والدرجة العليا وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المحسن المتفضل لخواص عباده لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ الذين يحسنون الأدب مع الله ويعبدونه كأنهم يرونه ومع رسوله المستخلف منه النائب عنه سبحانه

وَهؤلاء المحسنون المخلصون لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً لا قليلة ولا كثيرة في سبيل الله طلبا لمرضاته وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً تجاه العدو حين أمرهم الله ورسوله إِلَّا وقد كُتِبَ لَهُمْ في صحف حسناتهم لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى

<<  <  ج: ص:  >  >>