للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضيق الإمكان بأنواع الخيبة والخسران وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ المنتقم المقتدر فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً يشفع له عنده سبحانه إذ لا غير معه ولا شيء سواه. أتعتقد وترى ايها المعتبر الرائي ان لهم حظا من الايمان ونصيبا من التوحيد والعرفان وليس لهم ذلك

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ والسلطنة الصورية والايالة المجازية فَإِذاً اى حين كانوا ملوكا متصرفين على وجه الأرض لا يُؤْتُونَ النَّاسَ اى الفقراء المحتاجين لوجه المعاش نَقِيراً منها بل لا قطميرا لنهاية شحهم وبخلهم

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ يعنى بل هم من شدة غيظهم مع المؤمنين المنظورين لله الناظرين بنوره سبحانه الى وجهه الكريم يحسدون عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من الحكمة والنبوة والكتاب المبين وهم من غاية بخلهم وحسدهم يكذبونهم وكتابهم عنادا. وإذا أردت ان ترى ايها الرائي من لهم نصيب من الملك والكتاب فَقَدْ آتَيْنا اى فاعلم انا قد آتينا من محض فضلنا وجودنا آلَ إِبْراهِيمَ وذريته الذين من اجلتهم وصفوتهم محمد صلّى الله عليه وسلّم الْكِتابَ المبين للشرائع والاحكام وَالْحِكْمَةَ اى السرائر المقتضية لتشريعها وَمع ذلك قد آتَيْناهُمْ في الدنيا مُلْكاً عَظِيماً اى استيلاء تاما وبسطة عالية ممتدة الى يوم القيمة

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ اى بنبوة آل ابراهيم وذريته وبعظمة ملكهم وبسطتهم وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ اى اعرض ولم يؤمن عتوا وعنادا فلا تعجل يا أكمل الرسل بعقوبتهم وانتقامهم وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً اى كفى جهنم المسعرة المعدة لانتقامهم وتعذيبهم منتقما منهم على أقبح وجه وأشد تعذيب قل للمؤمنين يا أكمل الرسل نيابة عنا اخبارا لهم عن وخامة عاقبة هؤلاء المعرضين

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا كهؤلاء المدبرين المعاندين سَوْفَ نُصْلِيهِمْ وندخلهم ناراً مسعرة معدة لجزاء الغواة بحيث كُلَّما نَضِجَتْ اى فنيت واضمحلت وتلاشت جُلُودُهُمْ بإحراق نار الخذلان قد بَدَّلْناهُمْ من غاية قهرنا وانتقامنا إياهم جُلُوداً غَيْرَها مماثلة لما احترقت لِيَذُوقُوا الْعَذابَ اى يدوم لهم ذوقه وخذلانه ابدا وبالجملة إِنَّ اللَّهَ الغيور المنتقم منهم كانَ عَزِيزاً غالبا على الانتقام حسب المرام حَكِيماً عادلا لا يظلم بالزيادة ولا يهمل بالنقصان.

ثم قال سبحانه وَالَّذِينَ آمَنُوا بنا وبآياتنا ورسلنا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى أتوا بالأعمال المأمورة من لدنا سَنُدْخِلُهُمْ تفضلا عليهم وتكرما جَنَّاتٍ متنزهات العلم والعين والحق تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار اللذات الروحانية المترتبة على التجليات الرحمانية الغير المتناهية بحيث صاروا خالِدِينَ فِيها أَبَداً بلا انقطاع ولا انصرام ومع ذلك لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ صواحب وجلساء مصورة من مقتضيات الأسماء والصفات الإلهية يوانسونهم مُطَهَّرَةٌ عن ادناس الطبيعة مطلقا وَبالجملة نُدْخِلُهُمْ من غاية لطفنا إياهم ظِلًّا مروحا لقلوبهم ظَلِيلًا مروحا ممدودا لا يزول أصلا واعلموا ايها المبشرون بهذه البشارة العظمى

إِنَّ اللَّهَ المبشر لكم بأمثاله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا وتدفعوا الْأَماناتِ من الأموال والشهادات وسائر حقوق العباد من التربية والتكميل والهداية والإرشاد إِلى أَهْلِها ومستحقيها وَيأمركم ايضا انكم إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ اى المتخاصمين في الوقائع والخطوب أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ اى على وجه الإنصاف والسوية بلا ميل منكم الى جانب احد من المتخاصمين إِنَّ اللَّهَ المصلح لأحوالكم نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ اى نعم شيأ يعظكم به ويأمركم بامتثاله وبالجملة إِنَّ اللَّهَ المطلع على جميع حالاتكم قد كانَ سَمِيعاً لعموم أقوالكم بَصِيراً لجميع أعمالكم

<<  <  ج: ص:  >  >>