للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا يُزَكِّيهِمْ ويطهرهم عن رؤية الغير في الوجود مطلقا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب القاهر للاغيار الْحَكِيمُ في إيجادها وإظهارها على وفق مشيتك وارادتك

وَبعد ما قد جعلنا الخليل الجليل اماما مقتدى للأنام هاديا لهم الى دار السّلام مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ اى من يعرض ويميل عن ملته الحنيفية الطاهرة عن الميل الى الآراء الباطلة المستتبعة لانواع الجرائم والآثام البيضاء المنورة لقلوب اهل التفويض والتسليم المبتنية على محض الوحى والإلهام إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ اى لا ينصرف عن ملته الغراء الا من ترك نفسه في ظلمة الإمكان من غير رجوع الى فضاء الوجوب ليتبع طريقه الموصل اليه وَالله لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ وانتخبناه من بين الأنام فِي الدُّنْيا للرسالة والنبوة ليرشد عموم العباد الى طريق التوحيد وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ للتحقق والوصول الى ينبوع بحر الوجود التي هي الوحدة الذاتية لا على وجه الاتحاد والحلول بل بطريق التوحيد الذاتي المسقط لعموم الاعتبارات والإضافات واذكر يا أكمل الرسل وقت

إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ اختبارا له أَسْلِمْ اى توجه الى حسب علمك وكشفك منى قالَ على مقتضى علمه بربه أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ لأنه قد انكشف له ربه من ذرات الكائنات لذلك لم يخصصه ولم يقيده بمظهر دون مظهر

وَوَصَّى بِها اى بالتوحيد الذاتي إِبْراهِيمُ بَنِيهِ إرشادا لهم الى طريق الحق ووصى بها ايضا بنوه بنيه وَايضا قد وصى بها يَعْقُوبُ بنيه بما وصى به أبوه وجده وقال اى كل منهم لأبنائهم يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ اى دين الإسلام المشتمل على توحيد الذات والصفات والأفعال فَلا تَمُوتُنَّ اى فلا تكونن في حال من الأحوال عند الموت إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ موحدون بالتوحيد الذاتي ثم لما اعتقد اليهود ان يعقوب وبنيه كانوا هودا والنصارى قد اعتقدوهم نصارى أراد سبحانه ان يظهر فساد عقائدهم فقال اتسمعون ايها اليهود والنصارى يهودية يعقوب وبنيه ونصرانيتهم ممن انزل عليكم من الرسل والكتب

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ حضراء وقت إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ لا هذا ولا ذاك بل كنتم مفترين عليهم جاهلين بحالهم اذكر لهم يا أكمل الرسل وقت إِذْ قالَ يعقوب حين اشرف على الموت لِبَنِيهِ إرشادا لهم ماذا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي يا بنى قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً أحدا صمدا فردا وترا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وَنَحْنُ لَهُ لا لغيره من الآلهة الباطلة مُسْلِمُونَ منقادون متوجهون قل يا أكمل الرسل للناس الذين بعثت فيهم قولا مطلقا ناشئا عن محض النصح والإرشاد خاليا عن المكابرة والعناد قالعا عرق عموم التقليدات والتخمينات الراسخة في قلوب العباد

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ومضت لَها ما كَسَبَتْ من العزائم الدينية وعليها ما اكتسبت من الجرائم المتعلقة به بحسب تلك الحال والزمان وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ من فوائد الايمان والإسلام وعليكم ما اكتسبتم من غوائل الكفر والطغيان حسب زمانكم هذا إذ كل منكم ومنهم لم يجز الا بما عمل وكسب وَلا تُسْئَلُونَ ولا تؤاخذون أنتم عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ من السيئات كما لا تثابون من حسناتهم بل كل امرئ بما كسب رهين

وَان قالُوا اى كل من الفريقين لكم كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى كي تَهْتَدُوا الى طريق الحق قُلْ لهم نحن لا نتبع آراءكم الفاسدة وأهواءكم الباطلة بَلْ نتبع مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً مائلا عن الآراء الباطلة مبرأ منها وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله باعتقاد الوجود

<<  <  ج: ص:  >  >>