للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا وتركوا الايمان بالله وخرجوا عن مقتضيات الأوامر والنواهي الموردة في كتبه سبحانه وعلى ألسنة رسله فَمَأْواهُمُ مرجعهم ومثواهم في النشأة الاخرى النَّارُ المعدة لأهل الشقاوة الازلية هم فيها خالدون مخلدون مؤبدون لا نجاة لهم منها أصلا بل كُلَّما أَرادُوا وأملوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها حيث امهلهم الخزنة الموكلون عليهم الى ان يصلوا الى شفيرها ثم بعد ذلك أُعِيدُوا فِيها زجرا وقهرا تاما مهانين صاغرين وَقِيلَ لَهُمْ اى قال لهم الزبانية الموكلون بالهام الله إياهم ذُوقُوا ايها المنكرون المصرون عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ حين أخبركم به الرسل والكتب وأنذركم به النبيون المنذرون. ثم أشار سبحانه الى رداءة فطنة اصحاب الضلال وخباثة طينتهم فقال على سبيل المبالغة والتأكيد مقسما

وَالله لَنُذِيقَنَّهُمْ ولنصبن عليهم في دار الابتلاء مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى الأنزل الأسهل مثل القحط والطاعون والوباء والقتل والسبي والزلزلة وانواع المحن والبليات التي هي أسهل وأيسر بمراحل دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ عند عذاب الآخرة الذي هو في غاية الشدة ونهاية الألم والفظاعة وانما أخذناهم بما أخذناهم في النشأة الاولى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مما هم عليه من الكفر والشقاق ويتفطنون عنها الى كمال قدرتنا واقتدارنا على اضعافها وآلافها ومع ذلك لم يتفطنوا ولم يرجعوا عن غيهم وضلالهم بل قد أصروا واستكبروا عدوانا وظلما

وَمَنْ أَظْلَمُ على الله وأسوأ أدبا معه سبحانه مِمَّنْ قد ذُكِّرَ ووعظ بِآياتِ رَبِّهِ ليهتدى بها الى الايمان والتوحيد ويمتثل بمقتضاها ليتخلص عن الكفر والشرك ثُمَّ بعد ما قد سمعها أَعْرَضَ عَنْها فجاءة بلا تفكر وتأمل في معناها وأنكر على مقتضاها واستكبر على ما انزل الله اليه فكذبه ونسبه بما لا يليق بشأنه وأصر على ما هو عليه عنادا ومكابرة وبالجملة إِنَّا من مقام قهرنا وجلالنا مِنَ الْمُجْرِمِينَ المصرين على جرائمهم وآثامهم مُنْتَقِمُونَ يعنى قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا بعد ما قد بالغوا في الإنكار والإصرار نحن منتقمون منهم على ابلغ وجه وأشده من عموم المجرمين الظالمين فكيف هو أجرم واظلم منهم وأصر على البغي والعناد فانا ننتقم عنهم ونخلدهم في عذاب النار مهانين إذ لا عذاب أسوأ منه وأشد أعاذنا الله وعموم عباده منها

وَلا تظنن أنت يا أكمل الرسل انا لا ننجز وعدنا الذي قد وعدنا معك في كتابك من انا ننتقم من اهل الشرك والكفر واصحاب الإنكار والإصرار على ابلغ وجه وآكده بل لك ان تتيقن وتذعن انجاز وعدنا إياك مثل ما قد أنجزنا مواعيدنا مع أخيك موسى الكليم إذ لَقَدْ آتَيْنا من مقام جودنا أخاك مُوسَى الكليم الْكِتابَ اى التوراة مثل ما قد آتيناك الفرقان وواعدنا فيه معه مثل ما قد وعدنا معك في كتابك هذا من انتقام اهل الفساد والعناد بل قد وعدنا هذا الوعد مع كل نبي ورسول آتيناه الكتاب والصحف وبالجملة ما ارتاب وتردد موسى عليه السلام ولا احد من الرسل في انجاز وعدنا فَلا تَكُنْ أنت ايضا يا أكمل الرسل بل أنت أحق منهم بعدم الارتياب فِي مِرْيَةٍ اى شك وارتياب مِنْ لِقائِهِ اى من انجاز هذا الموعود وإتيانه على الوجه الذي قد وعدناك به ومن ملاقاتك إياه وَكيف يرتاب كليمنا وحبيبنا أنت يا أكمل الرسل في وعدنا هذا مع انا قد جَعَلْناهُ اى التوراة هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ هاديا لهم في المعالم الدينية والمعارف اليقينية والحقائق العلية والمكاشفات السنية كما قد جعلنا كتابك هذا لأمتك هكذا بل هذا أكمل من ذاك

وَكيف لا وهم اى بنو إسرائيل من خواص عبادنا وخلصهم إذ قد جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً أمناء هادون مهديون مهتدون مقتدون

<<  <  ج: ص:  >  >>