للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حيطة قدرته وارادته الْحَكِيمِ المتقن في مطلق تدابيره الصادرة منه بضبط مصالح عباده ثم التفت سبحانه تهويلا وتفخيما لحكمه فقال

ما خَلَقْنَا وأظهرنا من كتم العدم السَّماواتِ اى عالم الأسماء والصفات الذاتية وَالْأَرْضَ اى عالم الاستعدادات القابلة لانعكاس اشعة أنوار الذات الفائضة عليها حسب الشئون والتطورات الجمالية والجلالية وَكذا ما بَيْنَهُما من الآثار المتراكمة المتكونة من امتزاج آثار الفواعل والمؤثرات الاسمائية مع المتأثرات الناشئة من قوابل المسميات والهيولى إِلَّا بِالْحَقِّ اى خلقا ملتبسا بالحق المطابق للواقع وَقدرنا بقاء ظهورها الى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت مقدر من لدنا محفوظ في خزانة حضرة علمنا ولوح قضائنا لا نطلع أحدا عليه فإذا جاء الأجل المسمى انعدم الكل بلا تخلل تقدم وتأخر وَالَّذِينَ كَفَرُوا وأنكروا كمال قدرتنا على إيجاد الأشياء وإعدامها وابدائها وإعادتها عَمَّا أُنْذِرُوا من اهوال يوم القيامة المعدة لانعدام الكل وانقهار الاظلال الهالكة في شروق شمس الذات مُعْرِضُونَ منصرفون لذلك لا يتزودون له ولا يهيئون أسبابه ولا يستعدون بحلوله

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما افرطوا في الاعراض عن الله وعن توحيده واثبتوا له شركاء ظلما وزورا مستفهما على سبيل الإلزام والتبكيت أَرَأَيْتُمْ أخبروني ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وتتخذونهم آلهة سواه وتعتقدونهم شركاء معه سبحانه في الأرض أَرُونِي وبصرونى ماذا خَلَقُوا وأى شيء اوجدوا وأظهروا مِنَ الْأَرْضِ حتى اتصفوا بالخالقية واستحقوا بالمعبودية والربوبية وايضا أخبروني هل تنحصر شركتهم مع الله بعالم العناصر والمسببات أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ ايضا فِي السَّماواتِ وعالم الأسباب والمؤثرات وبالجملة ائْتُونِي بِكِتابٍ نازل مِنْ قَبْلِ هذا القرآن الفرقان قد أمرتم فيه باتخاذ هؤلاء الهلكى آلهة سوى الله مستحقة بالعبادة أَوْ أَثارَةٍ يعنى ائتوني ببقية مِنْ عِلْمٍ دليل عقلي او نقلي قد بقي لكم من اسلافكم يدل على إيثارهم واختيارهم آلهة شركاء معه سبحانه في ألوهيته وبالجملة ائتوني بسند صحيح إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى الشركة مع الله المنزه عن التعدد مطلقا

وَبالجملة مَنْ أَضَلُّ طريقا وأسوأ حالا وأشد سفها وحماقة مِمَّنْ يَدْعُوا ويعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ السميع العليم البصير الحكيم القدير الخبير المستقل في تصرفاته بالإرادة والاختيار مَنْ لا يَسْتَجِيبُ اى أصناما وأوثانا لا تسمع دعاءه ولا تجيب لَهُ ولا تعلم حاله ولا تدبر امره وان دعاه وتضرع نحوه إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ اى ابدا ما دامت الدنيا بل وَهُمْ اى معبوداتهم الباطلة عَنْ دُعائِهِمْ وتضرع عابديهم نحوهم غافِلُونَ ذاهلون لا شعور لهم حتى يفهموا ويجيبوا

وَهم قد عبدوهم معتقدين نفعهم ولم يعلموا انهم إِذا حُشِرَ النَّاسُ واجتمعوا في المحشر للحساب والجزاء كانُوا لَهُمْ أَعْداءً اى المعبودون للعابدين بل وَكانُوا اى المعبودون بِعِبادَتِهِمْ اى العابدين لهم كافِرِينَ منكرين جاحدين

وَبالجملة هم قد كانوا من شدة غيهم وضلالهم عنا وعن توحيدنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على وحدة ذاتنا وكمالات أسمائنا وصفاتنا مع كونها بَيِّناتٍ واضحات مبينات لا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ الصريح الصحيح البين لَمَّا جاءَهُمْ اى حين جاءهم ليهديهم ويبين لهم طريق الحق وتوحيده هذا المتلو ما هو الا سِحْرٌ مُبِينٌ ظاهر كونه سحرا باطلا وما هذا التالي له الا ساحر عظيم انما قالوا هكذا ونسبوا القرآن لما نسبوا لعجزهم عن إتيان مثله مع انهم من ارباب اللسن

<<  <  ج: ص:  >  >>