بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ومن كمال تمكنهم وتقررهم في مقر الوحدة يَتَساءَلُونَ
عَنِ الْمُجْرِمِينَ على سبيل التعجب والاستبعاد
ما سَلَكَكُمْ وأى شيء أدخلكم فِي سَقَرَ الإمكان وسعير الطرد والخذلان
قالُوا اى المجرمون في جوابهم متحسرين متأسفين لَمْ نَكُ في دار الاختبار ونشأة الاعتبار مِنَ الْمُصَلِّينَ المتوجهين نحو الحق في الأوقات المكتوبة علينا
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ بمقتضى الأمر الإلهي عطفا ولطفا
وَمع ذلك قد كُنَّا نَخُوضُ ونشرع في الباطل الزاهق الزائل ونروجه ونترك الحق ونهمله مَعَ الْخائِضِينَ الشارعين المزورين والمروجين عنادا ومكابرة
وَأعظم من الكل انا قد كُنَّا من غاية جهلنا وغفلتنا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ اى بوقوع الطامة الكبرى وقيام الساعة العظمى مقتفين في هذا الإنكار والتكذيب اثر الضالين المضلين مستظهرين بالمعبودات الباطلة مغترين بشفاعتهم العاطلة لدى الحاجة وبالجملة قد كنا مصرين على ما كنا عليه
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ وحل علينا الأجل وظهرت مقدماته وانقرضت نشأة الاختبار وبالجملة
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ حين أخذوا بظلمهم ولو شفعوا لهم اجمعهم
فَما لَهُمْ وأى شيء عرض لهم ولحق بهم مع انهم هم المجبولون على فطرة التوحيد واليقين حتى صاروا عَنِ التَّذْكِرَةِ المفيدة التي هي آيات القرآن المبينة لسرائر التوحيد والعرفان مُعْرِضِينَ منصرفين على سبيل الإنكار والاستكبار وبالجملة
كَأَنَّهُمْ في هذا الاعراض والنفرة المستتبعة لغاية السخافة ونهاية البلادة حُمُرٌ هي مثل في البلادة المتناهية مُسْتَنْفِرَةٌ من شدة رعبها وخوفها سيما قد
فَرَّتْ وهربت مِنْ قَسْوَرَةٍ اسد صائل هائل يريد ان يصول عليها شبه نفرتهم عن التذكر بآيات القرآن حسدا وحمية جاهلية بالحمر المستنفرة من الأسد والجامع بينهما البلادة المتناهية بل هم أسوأ حالا من الحمر إذ الحمر فرت من العدو خوفا من ضرره وهؤلاء قد فروا من الحق المشفق المفيد النافع لهم نفعا صوريا ومعنويا وما حملهم وحداهم على فتنة الاستنفار والاستنكاف الا غيرتهم وحميتهم الجاهلية بان لم يؤمنوا بما نزل على غيرهم
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى له من قبل الحق صُحُفاً قراطيس مدونة مُنَشَّرَةً تنشر وقت القراءة ثم تطوى كالصكوك والسجلات لذلك قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم لن نتبعك حتى تأتى كلامنا بكتاب من السماء مكتوب فيه من الله الى فلان اتبع محمدا فانه نبي صادق. ثم قال سبحانه
كَلَّا ردا عليهم وردعا لهم عن الاعراض عن الايمان والتذكر لا عن امتناع المقترح فانه لا يستحيل على الله شيء لو تعلق به مشيته بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ولم يؤمنوا لها لذلك اعرضوا عن التذكرة
كَلَّا اى كيف يتأتى لهم الاعراض عن التذكرة إِنَّهُ اى القرآن تَذْكِرَةٌ وآية مذكرة بل هو تبصرة كاملة شاملة نافعة مفيدة
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ اى اتعظ وتذكر به فقد هدى واهتدى الى الله
وَغاية ما في الباب انه ما يَذْكُرُونَ اى يتذكرون ويتعظون به إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ تذكرهم وهدايتهم إذ افعال العباد كلها مستندة اليه سبحانه مخلوقة له وكيف لا يفوض الى مشيته سبحانه عموم امور عباده مع انه هُوَ الفاعل المطلق المختار الخالق لها بالإرادة والاختيار وهو ايضا بذاته وبمقتضى أسمائه وصفاته أَهْلُ التَّقْوى وأحق من يتقى من انتقامه وقهره إذ هو القادر المقتدر على وجوه الانتقام وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ حقيق بان يرجى منه العفو والغفران سيما على المتقين المستغفرين إذ هو ايضا القادر المقتدر بالاستقلال على عموم الكرم والانعام.
جعلنا الله من زمرة اهل التقوى والمغفرة بمنه وجوده