للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في خلواتكم لذلك اجترأتم على اقتراف المعاصي وارتكاب المحرمات

وَذلِكُمْ اى هذا الذي نسبتم الى الله بقولكم هذا ظَنُّكُمُ السوء وزعمكم الفاسد الَّذِي ظَنَنْتُمْ به بِرَبِّكُمْ العليم الخبير بجميع ما صدر عنكم وبالجملة هذا الظن الفاسد والوهم الكاسد أَرْداكُمْ وأهلككم في تيه الجهل والضلال وبعد ما قد فوتم على انفسكم اسباب السعادة والهداية وأصررتم على ما يوجب الشقاوة والضلال فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ زمرة الْخاسِرِينَ وانقلبتم صاغرين مهانين فصرتم في النار خالدين وبعد ما ادخلوا في النار المسعرة بأنواع المذلة والهوان

فَإِنْ يَصْبِرُوا على فوحاتها والتهاباتها الشديدة فَالنَّارُ مَثْوىً ومنزلا لَهُمْ ابد الآباد ولا نجاة لهم منها أصلا وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا ويبثوا الشكوى والعتبى ويظهروا الكآبة وعدم الطاقة فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ المجابين بازالة العتبى والشكوى بل كلما يظهروا العتاب يضاعف لهم العذاب

وَكيف يزال عتابهم ولا يضاعف عليهم عذابهم إذ قد قَيَّضْنا وقدرنا لَهُمْ فيما هم عليه من الكفر والشقاق وانواع الفسوق والنفاق قُرَناءَ إخوانا وأخلاء من الشياطين يوحون إليهم ما يبعدهم عن الحق واهله فَزَيَّنُوا لَهُمْ وحسنوا لطباعهم ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من اتباع الشهوات وارتكاب المناهي والمحظورات وَانكار ما خَلْفَهُمْ من الأمور الاخروية مواعيدها ووعيداتها وَبسبب ارتكاب المعاصي واصغائهم قول قرنائهم قد حَقَّ وثبت عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وصدرت كلمة العذاب المؤبد من لدنا إياهم وما يبدل القول لدينا وليس هذا مخصوصا بقوم دون قوم بل قد جرت ومضت سنتنا كذلك فِي كل أُمَمٍ مفسدة مشركة قَدْ خَلَتْ ومضت مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل هؤلاء المشركين المسرفين سواء مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ اى المكلفين منهما وانما استحقوا العذاب المؤبد والنكال المخلد إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ خسرانا مبينا لاستبدالهم اسباب السعادة والهداية بالشقاوة والضلال

وَمن شدة غيهم وضلالهم المفضى الى الخسران العظيم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بك وبدينك وكتابك يا أكمل الرسل حين تلاوتك وتبليغك عليهم آيات القرآن لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ ولا تلتفتوا الى محمد حين قراءته بل وَالْغَوْا فِيهِ بالصياح وإنشاد الاشعار وخلط الأصوات وسائر الخرافات لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ محمدا وتدفعون قراءته وتخجلونه فيسكت وبالجملة هم من شدة شكيمتهم وغيظهم وان بالغوا في تخجيلك وتخذيلك يا أكمل الرسل لا تبال بهم وبفعلهم هذا

فَلَنُذِيقَنَّ لهؤلاء المفرطين المسرفين الَّذِينَ كَفَرُوا بك وأساءوا الأدب معك عَذاباً شَدِيداً منتقمين عنهم في النشأة الاولى وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ في النشأة الاخرى أَسْوَأَ اى أشد وأقبح من الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ معك بأضعافها وآلافها

ذلِكَ العذاب الأسوء الأشد جَزاءُ اعمال أَعْداءِ اللَّهِ الذين عاندوا معك يا أكمل الرسل واستهزؤا بك وبكتابك بطرين بما معهم من الجاه والثروة ألا وهي النَّارُ المسعرة المعدة لدخولهم ونزولهم فيها بل لَهُمْ فِيها اى في النار دارُ الْخُلْدِ والاقامة على وجه الخلود وانما صارت كذلك ليكون جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ وينكرون بها ويكذبون بمن انزل اليه ويستهزؤن

وَبعد ما استقر اهل النار في النار بأنواع السلاسل والأغلال قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وبرسله وكتبه في النشأة الاولى متحسرين متأسفين متضرعين الى الله مناجين له رَبَّنا يا من ربانا على فطرة الإسلام والتوحيد فكفرنا بك وأشركنا معك غيرك في الوهيتك بإضلال قرنائنا الضالين المضلين أَرِنَا وبصرنا حسب لطفك وجودك الشيطانين

<<  <  ج: ص:  >  >>