للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو بهذا الجهد الكبير والعمل المتواصل قد ملأ حياته علمًا وتعليمًا، وكتابة وتأليفًا، مما أفاد منه وانتفع به خلق كثيرون لا يحصون عددًا، ولا يحدون وفرة، سواء في حله أو ترحاله، ولا نكون مبالغين إذا اعتبرنا كل واحد ممن لقيهم البخاري أو اتصل بهم واحدًا من تلاميذه، حتى من بعض شيوخه، وهو في ذلك يقول: "ما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به" (١).

وقد أدرك هذا الامتياز والتفوق أساتذته الكبار، وقدروه، ومنهم الحميدي نفسه؛ حيث يقول البخاري عنه: "دخلت على الحميدي وأنا ابن ثمان عشرة سنة، فإذا بينه وبين آخر اختلاف في حديث، فلما بصر بي قال: جاء من يفصل بيننا، فعرضا علي الخصومة، فقضيت للحميدي، وكان الحق معه" (٢).

ولعل قصته مع شيخه الداخلي وهو في بدء أمره، واعتراف الداخلي بخطئه للبخاري؛ أكبر دليل على ما ذهبنا إليه من تفوق البخاري، حتى بالنسبة إلى شيوخه، ولم يكد يشتهر بين الناس بسعة حفظه، وسيلان ذهنه، وتثبته، وإتقانه، وعلو باعه في الرواية والدراية، حتى أقبل الناس وطلاب الحديث - والعلماء منهم خاصة - يسعون إليه، ويتحلقون حوله؛ طلبًا للرواية عنه والسماع، "فكان أهل المعرفة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب، حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف ممن يكتب عنه، وكان شابًّا لم يخرج وجهه" (٣).


(١) "مقدمة الفتح" (ص: ٤٨٩).
(٢) المصدر السابق (ص: ٤٨٣).
(٣) "طبقات الشافعية الكبرى" (٢/ ٢١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>