كما يؤكد ذلك قصته مع علماء بغداد ومع السمرقنديين؛ روى الحافظ ابن عدي قال: "سمعت عدة مشايخ ببغداد يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا الحديث لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا عليه الموعد للمجلس، فحضر وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله، انتدب رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحدًا واحدًا حتى فرغ، والبخاري يقول: لا أعرفه. وكان من العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: فهم الرجل، ومن كان لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير، وقلة الحفظ.
ثم انتدب رجل من العشرة أيضا، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال: لا أعرفه. فلم يزل يلقي عليه واحدًا واحدًا، والبخاري يقول: لا أعرفه.
وهكذا حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.
فلما علم أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول، فقلت: كذا، وصوابه: كذا، وحديثك الثاني: كذا، وصوابه: كذا، والثالث، والرابع، على التوالي حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل