ومن هؤلاء الأئمة الأعلام: الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، فقد كان ﵀ زين هذه الأمة؛ فهو أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، والحامل للواء علم الحديث كما وصفه بذلك الكثير من العلماء، ويأتي نقل عباراتهم مفصلة في ثنايا ترجمته.
أما بخصوص كتابه "الصحيح" فيكفيه شرفًا وفخرًا اتفاق علماء الأمة على أنه أصح الكتب بعد كتاب اللَّه تعالى، ومعه أو يليه كتاب الإمام مسلم بن الحجاج ﵀، وإجماعهم على تسميته "الصحيح".
قال الإمام أبو العباس القرطبي ﵀ في كتابه "المفهم"(١/ ٩٩ - ١٠٠): "وأما انعقاد الإجماع على تسميتهما بالصحيحين فلا شك فيه، بل قد صار ذكر الصحيح علمًا لهما، وإن كان غيرهما بعدهما قد جمع الصحيح واشترط الصحة، كأبي بكر الإسماعيلي الجرجاني، وأبي الشيخ بن حيان الأصبهاني، وأبي بكر البرقاني، والحاكم أبي عبد اللَّه، وأبي ذر الهروي، وغيرهم، لكن الإمامان أحرزا قصب السباق، ولقب كتاباهما بالصحيحين بالاتفاق". اهـ.
وقال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال"(١/ ١٤٧): "وأما السنة فإن اللَّه تعالى وفق لها حفاظًا عارفين، وجهابذة عالمين، وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فتنوعوا في تصنيفها، وتفننوا في تدوينها على أنحاء كثيرة، وضروب عديدة؛ حرصًا على حفظها، وخوفًا من إضاعتها.
وكان من أحسنها تصنيفًا وأجودها تأليفًا وأكثرها صوابًا وأقلها خطأً وأعمها نفعًا وأعودها فائدة وأعظمها بركة وأيسرها مئونة، وأحسنها قبولًا عند