للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أحسن أهل بخارى استقباله، وبالغوا في الحفاوة به، وفي ذلك يروي الحافظ ابن حجر، عن أحمد بن محمد بن منصور الشيرازي قوله: "لما رجع أبو عبد اللَّه البخاري إلى بخارى، نصبت له القباب على فرسخ من البلد، واستقبله عامة أهلها حتى لم يبق مذكور، ونثرت عليه الدراهم والدنانير" (١).

ولم يكد يستقر به المقام في بلده، حتى وقعت بينه وبين أمير بخارى خالد بن أحمد الذهلي جفوة، عكرت صفو البخاري، وكانت سبب خروجه منها مرغمًا، إلى أن مات بعيدًا عنها؛ وذلك أن الأمير الذهلي بعث إلى محمد بن إسماعيل "أن احمل إلي كتاب الجامع والتاريخ؛ لأسمع" (٢)، فقال البخاري لرسول الأمير: "قل له: إنني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند اللَّه يوم القيامة أني لا أكتم العلم" (٣).

وقد كان هذا الجواب الحق وحده ثقيلًا وكفيلًا بإثارة أمير بخارى، وأصابته في كبريائه حيث لم يألف مثل هذا الكلام، فاغتاظ من البخاري، وكان سبب الوحشة بينهما، فأغرى به جماعة فهيجوا الفتنة عليه، وتكلموا في مذهبه، وأوغروا صدور بعض العلماء عليه، وأثاروا الناس من حوله، فأمر الأمير بنفيه عن بلده، فخرج من بخارى إلى خَرْتَنْك، وهي قرية كانت على فرسخين من سمرقند.


(١) "مقدمة الفتح" (ص: ٤٩٤).
(٢) المصدر السابق.
(٣) نفس المصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>