ولعل قرار الأمير الذهلي بنفي البخاري عن بلده بخارى، كان بداية النهاية لحياة هذا الإمام العظيم، حيث إن البخاري لم يتألم في حياته، ولم يتأثر تأثره وتألمه لهذا القرار؛ فقد خرج فيما قبل من بخارى إلى نيسابور، وكله أمل في أن يجد الراحة فيها والاستقرار بعد الكيد والمضايقة والتعذيب، إلا أن المقام لم يستقر به فيها، حتى ظهرت رءوس الفتنة من كل جانب، وأشاع عنه حساده وأعداؤه الأقاويل والدسائس، مما اضطره إلى العودة إلى بخارى، غير أن حظه فيها لم يكن أحسن مما كان بنيسابور؛ حيث وقعت الجفوة بينه وبين أميرها، بسبب طلبه أن يحمل إليه "الصحيح"، و"التاريخ"، وجواب البخاري الذي اعتبر طلب الأمير إذلالًا للعلم والعلماء، مما يؤكد اعتزازه الشديد بنفسه، وقوة شخصيته.
"روى ابن عدي قال: سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار يقول: خرج البخاري إلى "خَرْتَنْك" وكان له بها أقرباء فنزل عندهم"(١). ولعل البخاري قصد قرية بيكند أولًا، ثم انتهى به المطاف إلى خَرْتَنْك جمعا بين ما ذكره الحافظ في مقدمة الفتح من الروايتين.
"يقول عبد القدوس بن عبد الجبار: سمعت البخاري ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يقول في دعائه: اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك، قال: فما تم الشهر حتى قبضه اللَّه"(١).
ويروي محمد بن أبي حاتم وراق البخاري يقول: سمعت غالب بن جبريل، وهو الذي نزل عليه البخاري بخَرْتَنْك، يقول: "إنه أقام أيامًا فمرض، حتى