وجه إليه رسول من أهل سمرقند، يلتمسون منه الخروج إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه، ولما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابة ليركبها وأنا آخذ بعضده قال: أرسلوني فقد ضعفت، فأرسلناه، فدعا بدعوات، ثم اضطجع فقضى، ثم سال منه عرق كبير، وكان قد قال لنا: كفنوني في أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: ففعلنا.
فلما أدرجناه في أكفانه، وصلينا عليه، ووضعناه في قبره، فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك دامت أيامًا، وجعل الناس يختلفون إلى القبر أيامًا، يأخذون من ترابه، إلى أن جعلنا عليه خشبًا مشبكًا" (١).
وكان تاريخ وفاة البخاري ﵀ يوم السبت في ليلة عيد الفطر، سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة (٢٥٦ هـ).
فرحم اللَّه الإمام البخاري، وأجزل له العطاء، وبوأه مقام الصديقين، وأحسن إليه كما أحسن وجوَّد خدمة السنة النبوية التي قصر حياته عليها، وعلى خدمتها وجمعها وتهذيبها مما علق بها، من انتحال واختلاق، وأبقى ذكره خالدًا عطرًا ما بقيت الحياة وبقي الناس.