والأحاديث السابقة تدل على وجوب إعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها، كما تدل على تحريم حلقها وتقصيرها وتهذيبها؛ لأن الأصل في الأوامر الوجوب والأصل في النواهي التحريم، ولا يجوز أن تصرف عن أصلها وظاهرها إلا بدليل وحجة صحيحة يحسن الاعتماد عليها، ولا حجة أو دليل يصرفها عن ذلك، فيجب على كل مسلم امتثال أمر رسول الله والتأسي به، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - كث اللحية، كما صح عنه، ولم ينقل عن أحد من أصحابه وهم خير القرون أنه كان يقصر لحيته، إلا ما كان من عبد الله بن عمر؛ فقد جاء عنه أنه كان يأخذ من لحيته في الحج على ما زاد عن القبضة، فلا يحتج بفعله مع ثبوت الأحاديث الصحيحة، وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين (١) » متفق عليه، والحجة في رواية الراوي لا في فعله واجتهاده، وقد ذكر العلماء أن رواية الراوي من الصحابة ومن بعدهم الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هي الحجة، وهي مقدمة على رأيه إذا خالف السنة، فإنه يحتج بروايته للسنة ولا يحتج بفعله على السنة.
وأما ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه كان يأخذ من لحيته من طولها عرضها) فإن هذا الحديث ضعيف
(١) صحيح البخاري اللباس (٥٨٩٢) ، صحيح مسلم الطهارة (٢٥٩) ، سنن الترمذي الأدب (٢٧٦٤) ، سنن النسائي الزينة (٥٠٤٦) ، سنن أبي داود الترجل (٤١٩٩) ، مسند أحمد (٢/١٥٦) .